أما بعد؛ فإن من نعم الله تعالى على هذه الأمة المحمدية المباركة أن حفظ لها الدين، وقيض لها أئمة ناصحين، وعلماء ربانيين، وأعلامًا محققين، حفظ دينه، فتناقلته الأمة قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل.
بهم وقد كان غالب العلوم الإسلامية في صدر تاريخ الأمة الميمون محفوظاً في الصدور، ومتلقى بالمشافهة مِن قَبْلِ أنْ يعرض التغير ويطرأ الفتور، فاحتاج علماء الأمة إلى أن يودعوا مكنون صدورهم في أوعية الطروس والسطور، فكثرت التأليف والمصنفات في العلوم والفنون، وكانت الصلة باقية بين البابين ولا مدخل لبيت العلم إلا منهما ، فمن نسخ كتابًا ضارعه بأصل مسموع، وكانت مجالس العلم والمذاكرة عامرة بالعرض والمقابلة.
ثم استجد للناس عوائق كثيرة، وموانع حالت دون بقاء تلك الحال، حيث اتسعت أقسام العلوم وأبوابها، وأصبح كل طرف منها علما مستقلا برأسه، وفيه من المؤلفات ما يعجز الإنسان عن الإحاطة به فضلا عما سواه، مع الناس بمعاشهم، وما صاحب ذلك من المدنية وما فيها من ملهيات.
ولكن لطف الله قريب وفضله واسع وعميم، وهو بعباده رؤوف رحيم فأحدث لهم دور النشر والمطابع ، وقيض حينها من يتولى نشر الكتب والمؤلفات على أصولها الخطية، وفق أصول عظيمة، وقواعد محكمة ومتينة، مع أمانة وصيانة، فتيسر للناس ما كان عسيرًا على من قبلهم، ورزقوا من أسباب تحصيل العلم وما تقوم به الحجة عليهم وتنقطع معه معذرتهم، وكلما كان العباد إلى الشيء أحوج كان جود الرب به أعظم.
وإن من العلماء المحققين والأعلام البارزين في عالم الكتب والتحقيقات والنشر والمطبوعات: فضيلة الشيخ المحقق محمد عزیر شمس رحمه الله تَعَالَى.
وقد أثرى المكتبة الإسلامية بنتاجه الوافر وتحقيقاته التي أصبحت أنموذجا يحتذيه كل راغب في التجويد والإفادة.
وكان من جملة ذلك أن نشر بعض المخطوطات النادرة في سلسلة روائع التراث بمجلة الجامعة السلفية ببنارس، ومجلة المجمع الهندي - بعلي كره، وذلك في الأعوام ۱۹۸۲ - ١٩٨٤م ، وهذه الرسائل لا تختص بفن من الفنون فبعضها في العقيدة، وأخرى في المصطلح، والحديث، واللغة، والشعر، والقوافي، وغيرها.
وكان بعض الباحثين يبحثون عن هذه الرسائل ولا يجدونها إلا بصعوبة بالغة، فاقترحوا على الشيخ جمعها في مجلد واحد.
فأجاب الشيخ طلبهم، وأخرج مجموعة منها في مجلد واحد بعنوان (روائع التراث 1)
ثم إن الشيخ أوعز إلينا إعادة نشرها مع إضافة رسالتين قد طبعتا مستقلتين عن المجموعة السابقة.
وها هي اليوم تخرج بين يديك أيها القارئ الكريم وقبل أن تكتحل عين مؤلفها رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بها في هذه الحلة الجميلة، ونرجو من الله تعالى أن يتقبل من الشيخ عمله وأن يشكر له سعيه.
ونشكر كل من سعى وساهم في إخراج هذا الكتاب، من الإخوة طلاب العلم، وكذلك أبناء الشيخ وأهله.
