أما بعد: فإن العدل والإنصاف مع المخالف، والثناء عليه بما فيه من الخير، مع عدم المداهنة والمجاملة في بيان الحق بعدل ورفق ورحمة من أعظم سمات الصادق المخلص سليم القلب، الباحث عن الحق.
قال الإمام ابن عبد الهادي كله ما تحلى طالب العلم بأحسن من الإنصاف وترك التعصب.
والواجب على المسلم ألا يتحيز إلى فئة معينة، يوالي ويُعادي لأجلها، بل يأخذ من كل أناس أحسن ما عندهم، ويُحاول أن يُصلح ما وجده من خطأ بقدر الإمكان.
قال العلامة ابن القيم كله والبصير الصادق: تغير في كل غنيمة بسهم، ويعاشر كل طائفة على أحسن ما معها، ولا يتحيز إلى طائفة وينأى عن الأخرى بالكلية أن لا يكون معها شيء من الحق.
فانظر إلى إنصاف شيخ الإسلام ابن تيمية له، وحسن تعامله، وسلامة قلبه، وكرم أخلاقه، وطيب فعاله مع من ناصبه العداوة في دينه، وتسبب في سجنه وأذاه.
فأعداؤه هؤلاء موافقين له في العض، بل كان منهم الصوفي والأشعري والمعتزلي، فإذا كان هكذا تعامله معهم وإلا الحال مع من يخالفه في بعض آرائه اختياراته من أهل السنة والجماعة؟
وقد تتبعت كلامه في هذا الباب في كثير من مصنفاته، ودونتها في عدة مصنفات.
وقد أشار علي بعض الناصحين - جزاهم الله خيرا - أن أفردها لتعم فائدتها ؛ نظرا لحاجة الناس الماسة للعدل والإنصاف عند تعامل بعضهم مع بعض.
وكثيرا ما يُنسب لشيخ الإسلام في هذا الباب مواقف وأحكام ليست هي عين رأيه في الحقيقة، وهذا خلل عظيم، وافتراء وتقول عليه، ويرجع سبب ذلك إلى عدم الوقوف على جميع كلامه في هذا الباب، فلا يجوز الحكم بحكم عام إلا بعد النظر إلى جميع نصوصه وكلامه، وضم النظير إلى نظيره في عموم حكمه في المسائل والأعيان.
فعلى كل ناصح أن يحذر من أن يحكي عن شيخ الإسلام ابن تيمية تخلله قولا أو موقفا أو حكمًا مغايرا ومناقضا لما يراه ويقول به، وألا يكتفي ببعض كلامه دون الأخذ في الاعتبار بالسياق الذي ورد فيه، مما يجعله غير دقيق ولا يعكس قصده.
ومن توفيق الله لي أني قرأت جل كتبه وجمعت ما استطعت من كلامه في هذا الباب، معتنيا بسياق كلامه حتى يكون الكلام بعلم وعدل إن شاء الله تعالى.