لقد أنزل الله سبحانه وتعالى رسوله محمد خير كتبه القرآن هداية ونورا إلى يوم الدين، وجعله نبراسا يستضاء به، وقاعدة يركن إليها وعلما ينتفع به، وقيض له من العلماء المحققين من يفسره، ويجلي معانيه الدقيقة ويستنبط منه الأحكام على أصول للتفسير معتبرة، وقواعد للاستنباط معتمدة.
ومن أبرز علماء تفسير القرآن الذين اجتهدوا في تدبر القرآن وبرعوا في استخراج دره وبذلوا غاية فعالةم في الاستنباط: الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره: «المنار».
وتفسيره هذا من التفاسير القيمة، ضمنه عدد كبير من العلوم والمعارف من عقيدة وفقه ولغة وغيرها.
وبعد الشيخ محمد رشيد رضا من العلماء الأفذاذ، فقد تعددت معارفه وتنوعت جوانبه فبرع في علوم كثيرة من تفسير وفقه وحديث، وله مؤلفات كثيرة في شتى فروع العلم الشرعي تميزت بدقة الاستنباط وسعة الاطلاع وعمق التفكير وقوة الحجة.
والشيخ قد اعتنى بهذا التفسير اعتناء كبيرا، واهتم اهتماما عظيما، ومما يدل على ذلك أنه ألف أجزاء كثيرة من تفسيره في سفره، حيث يقول في أحد المواضع : ولولا أنني الآن حلف أسفار، لا يقر لي في بلد قرار لأطلت بعض الإطالة.
وكان يكتب ويستنبط حتى وهو في الباخرة! قال الله معتذرا عن رجوعه المصادر التفسير : على أنني كنت أود لو كان بين يدي جميع كتب التفسير المعتبرة لأراجع تفسير الآية فيها».
وذكر في الحاشية أنه يكتب وهو في الباخرة.
وكنت قد انقطعت مدة ليست بالقصيرة في قراءة تفسيره، وتأمل ما حواه من نفائس العلم والاستنباط والتدبر وتأمل شخصيته التي تظهر جليا في ثنايا كلامه، فدونت أهم ما يتعلق به وبتفسيره، وانتقيت أهم وأنفس ما خطته أنامله - حسب اجتهادي .. راجيا من الله أن ينتفع به غيري كما انتفعت ويستفيد كما استفدت.
ولعل هذا الكتاب يكون حافزا لك - أخي القارئ - القراءة تفسيره، فقيه الكثير من الفوائد النفيسة والعلوم النافعة والاستنباطات اللطيفة والتدبرات الفريدة.
وكثيرا ما يقرن تفسيره بالحديث عن الواقع المعاصر في زمنه وهذه من أهم وأعظم ما يميز تفسيره.
وأنبه إلى أني إذا وضعت في الحاشية رقم الجزء من غير عزو إلى مرجع فهو من تفسير المنار.
وكثيرا ما يذكر الشيخ كلام شيخه محمد عبده، يضع كلامه بين قوسين، كما نص على ذلك في منهجه في الكتاب الشامل.