فإن العبد الناظر في نفسه، والمُمعِن في أحواله، يرى أن نعم الله على عباده لا تُعد ولا تحصى وهذا مصداق قوله جل وعلا: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: ۱۸] وقوله: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: ٥٣] لكن نعمه تبارك وتعالى تتفاوت، وآلاءه تتفاضل، وأفضل النعم وأجلّها، وأعلى المنن وأشرفها، ما أكرم الله تعالى به هذه الأمة من إرسال أفضل الرسل إليها على الإطلاق، وأرفعهم جاهاً بالاتفاق نبينا محمد ﷺ، في زمن قد خيم الشرك بظلمته على أرجاء الجزيرة، وانتشر في أنحائها انتشار النار في الهشيم، حتى كثرت بذلك المعبودات من دون الله، وتعددت الأنداد، وتنوعت الآلهة، والله المستعان.
فأشرق بفضل بعثته الله التوحيد بنوره على ذلك الظلام الحالك، فزال عندها الشرك، وظهرت السنة، وفشا الخير وذاع، وأدبر الشر بأبوابه أجمع، حيث قام بالدعوة إلى التوحيد والترغيب فيه بذكر فضائله وآثاره النافعة، وما لأهله من الإكرام والعواقب الحميدة، وبالتحذير من ضده وهو الشرك، ببيان قبحه في نفسه، والوعيد على فعله، وسوء عاقبة أهله.
وهكذا بقية أصول الإيمان وسائر أبواب الاعتقاد بينها أتم بيان، وأوضحها أحسن إيضاح وأجلاه.
وكان من بين الأمور التي تم بها بيان العقيدة وتقريرها الفتاوى النبوية الصادرة من النبي ﷺ، والتي كانت بياناً للعديد من الأسئلة التي طرحها الصحابة عليه في غالب أبواب الاعتقاد، حيث كانوا يستفتونه ﷺ في مسائل هذا الباب ويسألونه عما يشكل عليهم منها، ويراجعونه في أدنى شبهة تَعْرِضُ لهم لطلب إزالتها وكشفها، فكان لا يجيبهم عن ذلك كله، من غير نكير عليهم أو تعنيف لهم، مما يدل على أن السؤال في مسائل أبواب العقيدة سائغ متقرر جوازه عند الجيل الأول.