تكمن قيمة هذا الكتاب الذي يرى النور أول مرة:
أنه منتخب من كتاب أكبر هو الفصول المسائل الخلاف للمؤلف نفسه، والذي لا يُعرَفُ عن الكتاب الأصل لحد الآن خبر ولا أثر.
أن مؤلّفه يتناول المسائل الجدلية بطريقة مغايرة لما عهدناه في الكتب المتقدمة عند الصَّيمريّ (ت: ٤٣٦ هـ) في مسائل الخلاف، والشيرازي (ت: ٤٧٦ هـ) في «المعونة»، والباجي (ت: ٤٧٤ هـ) في (المنهاج في ترتيب الحجاج) وغيرها من المصنفات، مما سيساعد الباحثين على تتبع تطور علم الجدل.
كم أنه من تراث أحناف بلاد ما وراء النهر، وهو التراث الذي له أياد بيضاء على التراث الإسلامي في أصول الفقه والجدل.
يقول العلامة المالكي أبو بكر ابن العربي (ت: ٥٤٣ هـ): اعلم أن رب النعمة على أهل خراسان، بل على أهل العلم في غابر الأزمان، في الكشف عن أسرار العلوم من فن الفقه وأصوله؛ القاضي أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي، فإنه انتدب بذهن ثاقب، وعقل وافر، وحفظ ظاهر ، لكشف غوامض العلمين، وإبراز دقائق الفنين.
كأنه يعطينا صورةً لطريقة جدليّة متّبعة في بلاد ما وراء النهر، مغايرة عن طريقة جدل أهل العراق.
وإذا كان أصول الفقه بحسب سبط ابن الجوزي يهتم بإثبات الأدلة على الشرائط الموجبة لها، فإنَّ وظيفة علم الجدل أن يقوم بتحرير وجه الاستدلال بها، والتحرز عن مكامن الخطأ والزل، فنشر كتب الجدل الأصولي سيسهم بلا شك في الكشف عن هذه المناهج العلمية التي ابتكرها العقل المسلم الذي صاغه الوحي -باعتبار أن من أهم مقاصد الوحي، إصلاحُ عقل الإنسان وتفكيره- وبالتالي إعادة صياغة العقل الإسلامي المعاقِ في عصرنا بالمناهج الوافدة، ليصير عقلا ممنهجًا، مُصاغًا بالمنهجيّةِ القرآنية التي نزل بها الوحي، والتي كان من آثارها بناء العقل التوحيدي، والحضارة التوحيدية.
