أصول الفقه - محمد أبو زهرة

35 SAR

1- فإن علم أصول الفقه هو العلم الذي يبين المناهج التي انتهجها الأئمة المجتهدون في استنباطهم وتعرف الأحكام الشرعية من النصوص والبناء عليها باستخراج العلل التي تبنى عليها الأحكام، وتلمس المصالح التي قصد إليها الشرع الحكيم، وأشار إليها القرآن الكريم. وصرحت بها أو أومأت إليها السنة النبوية، والهدي المحمدي، فعلم أصول الفقه على هذا هو مجموعة القواعد التي تبين للفقيه طرق استخراج الأحكام من الأدلة الشرعية، سواء أكانت تلك الطرق لفظية كمعرفة دلالات الألفاظ الشرعية على معانيها، و استنباطها منها، وطرق التوفيق بينها عند تعارض ظواهرها، أو اختلاف تاريخها، أم كانت معنوية كاستخراج العلل من النصوص وتعميمها، وبيان طرق استخراجها، وأسلم المناهج لتعرفها... وهكذا يبين أصل الشريعة في التكليفات العملية، ويرسم المناهج لتعرفها، ويحد الحدود للفقيه المجتهد، فيسير على منهاج قويم في استنباطه.


2- وإنه لهذا كان من أجل العلوم وأبعدها أثرًا في تكوين العقل الفقهي، وهو لهذا يعطي طالبه المناهج التي سلكها الأئمة المجتهدون في استنباطهم فقههم الذي توارثناه، وكان في ذاته ثروة مثرية، وينير له سبيل الاجتهاد إن أراد أن يضيف إلى تلك الثروة الموروثة أخرى من نوعها، وإن لم تكن بمقدارها، فيبين معالم الشريعة لمن يريد أن يستنبط الأحكام الشرعية فيما يجد للناس من شئون من غير أن يخرج عن الجادة أو يتنكب السبيل، أو يخلع ربقة الشرع محكما الزمان فيه، من غير أن يجعله حاكما على لمن يريد أن يتعرف فقه الماضين، وكان لا بد منه أحداث الزمان، فكان لا بد منه لمن يريد أن يتعرف أحكام الشرع في أحداث الزمان.


3- ولهذا عنيت بهذا العلم كليات الحقوق في ماضيها، وعنيت به في حاضرها، وإنه لازم لطلبة الحقوق اليوم أكثر من لزومه في الماضي ، وذلك لأن خريجي كليات الحقوق ، قد وضع على كاهلهم تطبيق الأحكام الشرعية في الأسرة، سواء أكان ذلك في علاقاتها الشخصية أم كان في نظمها المالية، فكان لا بد أن يتسلحوا ليقوموا بذلك الواجب على وجهه ، فإن من يطبق أحكام الشريعة في أي ناحية من نواحيها لا بد أن يعرف مصادرها و مواردها ومناهجها ليستطيع أن يفهم أقوال الماضين ، ويدرك أسلمها وأقربها إلى المنهاج، وليستطيع أن يخرج عليها ويبني من غير أن يبتعد عن مقاصد الشريعة وغاياتها ، ولا يتجاوز حدودها ، لأنها حدود الله، وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: ١].


4- وإن علم الأصول لا يلزم طالب الحقوق ليفهم الشريعة على وجهها فقط، بل إنه يحتاج إليه أشد الحاجة ليفهم القوانين نفسها حق الفهم، ذلك لأنه يبين دلالات الألفاظ، ما تؤخذ من النص، وما يفهم من غيره، فيعرف ما يؤخذ من منطوقه، وما يؤخذ من مفهومه، ويضع الضوابط والمقاييس للأخذ منها عند توافقها وعند تعارضها في ظواهرها... وهكذا فيه ضبط دقيق لمدلولات العبارات وإشاراتها، وكل مفسر للقوانين يحتاج إلى ذلك، وإذا كان تفسير القانون بالقياس ضروريا في موضعه، فإن علم أصول الفقه هو الذي ضبط أنواع القياس، وبين طرقه، وبين العلة الجامعة وطرق معرفتها، ووضع الموازين لمعرفة الأوصاف التي تصلح أن تكون علة للقياس ووجه الارتباط بين الأصل والفرع، فهو يبين المنهاج المستقيم للقياس السليم. وإذا كان كل قانون له أحكام استثنائية، فإن علم أصول الفقه يرشد إلى طرق الاستثناء ومواضعها، ويبين أن الاستثناء إنما هو لتحقيق المقاصد الأصلية التي ينطوي عليها كل قانون، وإن أحكام الاستثناء السليم الذي لا يخرج القانون عن مقاصده يبنيها باب الاستحسان بيانا وثيقا دقيقا.


5- والقول الجلي أن ذلك العلم منهاج قويم لفهم معاني الألفاظ القانونية، وهو في ذاته فقه دقيق عميق، يأخذ منه الطالب منهاجا ومقاييس ضابطة، ويأخذ منه فوق ذلك فقها يربي ملكاته، ويقوم مداركه القانونية.




محمد أبو زهرة 24/2/1378هـ

Product details
  • Weight
    0.5 KG
  • 35 SAR
Add to cart

Products you may like