هذا الكتاب من أفضل ما كُتب حول شيخ الإسلام، ألفه ابن ناصر الدين الدمشقي (ت: 842هـ)، ردًا على الشيخ محمد بن محمد البخاري الحنفي الذي دفعه كرهه لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلقيب علماء زمانه له بشيخ الإسلام، فقال كلمته الجائرة: (إن من سمى ابن تيمية "شيخ الإسلام" فهو كافر) وقد قالها بعد وفاة ابن تيمية بأكثر من مئة سنة! فتصدى له معاصره العلامة: محمد بن أبي بكر ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي بكتابه هذا يبين فيه فضل ابن تيمية، وأسماء العلماء من أهل السنة والجماعة الذين أطلقوا على ابن تيمية لقب "شيخ الإسلام"، وذكر شيئًا من ثناء العلماء عليه.
وقد بين المؤلف في كتابه معاني كلمة "شيخ الإسلام"، ومن أجدر بها، ومن لقب بها من العلماء السابقين، وقضية التكفير، ومن هو الكافر في هذه القضية إن كان ثمة كافر، وقد ابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة ذكر فيها عن وجوب اتباع السنة النبوية وخطورة مخالفتها وذكر بعض الكتب المصنفة في ذلك وأقوال بعض العلماء في ذلك، ثم ذكر أنه لا يُقطع لأحد من أهل التوحيد بالنار، وذكر أقوال الفرق كالخوارج وغيرهم في ذلك، ثم ذكر عدم جواز اللعن وذكر فيه عدة أحاديث، وكلام لمحيي الدين النووي في ذلك، ثم ذكر كلامًا تحدث فيه على طبقات النقاد وصفاتهم واعتبر أن ابن تيمية منهم ووصفه بعلم الأعيان.
وجمع أسماء عدد كبير ممن لقب ابن تيمية "شيخ الإسلام" من الذين عاصروه أو جاؤوا بعده، وترجم لكل واحد منهم ترجمة جمع فيها فضائله ومؤلفاته، وشيئًا من سيرته، بحيث أصبحت بعض تراجم هؤلاء الأعلام في هذا الكتاب من أفضل ما ترجم لهم.
وبلغت تلك التراجم سبعة وثمانين عالمًا، فضلًا عمن ذكر من أقرانهم وشيوخهم وآبائهم ومن تلقوا عنهم مضافًا إليهم من قرظوا الكتاب حتى بلغت تلك التراجم في مجموعها العام قريبًا من خمسمائة ترجمة.
وقد أورد المصنف سبب تأليفه للكتاب فقال:
"فِي عصرنا هَذَا الَّذِي قل فِيهِ من يدْرِي هَذَا الْفَنّ أَو يرويهِ أَو يُحقّق تراجم من رأى من أهل مصره فضلًا عَمَّن لم يره أَو مَاتَ قبل عصره قد نطق فِيهِ من لَا خبْرَة لَهُ بتراجم الرِّجَال وَلَا عِبْرَة لَهُ فِيمَا تقلده من سوء الْمقَال وَلَا فكرة لَهُ فِيمَا تطرق بِهِ إِلَى تَكْفِير خلق من الأعلام بِأَن قَالَ من سمى ابْن تَيْمِية شيخ الاسلام كَانَ كَافِرًا لَا تصح الصَّلَاة وَرَاءه وَهَذَا القَوْل الشنيع الَّذِي نرجو من الله الْعَظِيم أَن يعجل لقائله جزاه قد أبان قدر قَائِله فِي الْفَهم وأفصح عَن مبلغه من الْعلم وكشف عَن مَحَله من الْهوى وَوصف كَيفَ اتِّبَاعه لسبيل الْهدى وَلَا يرد بِأَكْثَرَ من رِوَايَته عَنهُ ونسبته إِلَيْهِ فَكَلَام الانسان عنوان عقله يدل عَلَيْهِ".
وقد مدح "ابن حجر العسقلاني" كتاب "الرد الوافر" وأثنى عليه وعلى "ابن تيمية" ومما قاله في تقريظ الكتاب:
"وقفت على هَذَا التأْلِيف النافع وَالْمَجْمُوع الَّذِي هُوَ للمقاصد الَّتِي جمع لَهَا جَامع فتحققت سَعَة اطلَاع الإِمَام الَّذِي صنفه وتضلعه من الْعُلُوم النافعة بِمَا عظمه بَين الْعلمَاء وشرفه وشهرة إِمَامه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابن تيمية أشهر من الشمس وتلقيبه بشيخ الإسلام بَاقٍ إِلَى الْآن على الْأَلْسِنَة الزكية وَيسْتَمر غَدًا لما كَانَ بالْأَمْس وَلَا يُنكر ذَلِك إِلَّا من جهل مِقْدَاره وتجنب الْإِنْصَاف فَمَا أَكثر غلط من تعاطى ذَلِك وَأكْثر غباره فَالله تَعَالَى هُوَ الْمَسْئُول أَن يَقِينا شرور أَنْفُسنَا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله".
وقد ذكر المؤلف ثمانين عالمًا أطلقوا على ابن تيمية لقب شيخ الإسلام موثقًا كلامه بالأدلة من كتبهم فمنهم:الذهبي، وابن دقيق العيد، وأبو حيان الأندلسي، وابن جماعة، وابن كثير، والحافظ العراقي، وجمال الدين المزي.
وقد انتشر هذا الكتاب واشتهر ذكره، وتلفاه العلماء من بعد ذلك بالثناء والنقل منه والاستفادة من تراجمه المهمة.
وهذا التحقيق الجديد للكتاب يتضمن زيادة تراجم وتقريظات مهمة، وقد أضاف إليه المحقق منظومة "الشهب العلية في الرد على من كفر ابن تيمية" نظم القاضي "عمر بن موسى بن الحسن الحمصي الشافعي" (777 - 861 هـ)، وهي منظومة - أيضًا - وضعها ردًا على تكفير "علاء الدين البخاري" لمن سمى "ابن تيمية" بشيخ الإسلام، وهي قصيدة تزيد عن مائة بيت، حيث اجتمع في رجب 836 هـ بطرابلس مع "شمس الدين بن زهرة" شيخ الشافعية بعد ما بلغه ما وقع بين علاء الدين والحنابلة، فاستفتى له بعض المصريين، فاتفقوا على تخطئة "علاء الدين البخاري"، فلما بلغ الحمصي ذلك ألف الكتاب بوفاق المصريين وفيه أن من زعم كفر ابن تيمية هو الذي يكفر، فبلغ ذلك "ابن زهرة" فقال: كفر القاضي، وقام الناس عليه، وفر الحمصي إلى بعلبك، وكاتب أحد رجال الدولة فأرسلوا له مرسومًا بالكف عنه فهدأ الأمر وسكن.