هذا الكتاب يكشف عن جانبٍ أصيلٍ في تراثنا العلمي، يتمثل في العناية الدقيقة بمناهج البحث وضوابطه، وذلك من خلال استقراء نصوص متفرقة بثّها الإمام شهاب الدين القرافي (ت 684هـ) في ثنايا مؤلفاته. فقد كان القرافي من أعلام أصول الفقه الذين امتازوا بقدرة فريدة على الجمع بين دقة النظر، وعمق التحليل، وإبداع القاعدة المنهجية التي تحفظ للبحث العلمي توازنه وانضباطه.
فقام المؤلف بجهدٍ علميٍّ في تتبع هذه النصوص القرافية، وجمعها، وتصنيفها بحسب مجالاتها، ليقدّم للقارئ مرجعًا متكاملًا يضيء معالم التفكير المنهجي عند علماء المسلمين. فالكتاب يعرض مباحث متصلة بقواعد الاستدلال، وضبط المصطلحات، وإدارة الخلاف، وتوثيق الأدلة، وإحكام الربط بين الفروع والأصول، مما يجعله دليلًا عمليًا للباحثين وطلاب الدراسات العليا في مجالات الشريعة والفقه وأصوله.
إن هذا الكتاب ليس مجرد عرض تاريخي لمقولات القرافي، بل هو دعوة حية لإعادة اكتشاف كنوز التراث في مجال البحث العلمي، وإبراز إسهامات العلماء المسلمين في تأسيس قواعد المنهج قبل قرون طويلة من تشكّل المدارس البحثية الغربية. وهو بذلك يسد ثغرةً معرفية، ويقدّم نموذجًا تطبيقيًا يُعين الباحث المعاصر على الجمع بين الأصالة والمعاصرة في ممارساته العلمية.
