تقدم خطوة واقترب أسئلة عن الله - نافيد كيرماني البحر الأحمر للنشر

٥٠

للكاتب نافيد كيرماني هو واحد من أشهر الكتاب الألمان المعاصرين في مجال الكتابة عن الإسلام ويكاد ان يكون غنيا عن التعريف للقراء العرب، إذ سبق وأن ترجمت معظم أعماله إلى العربية، خاصة أطروحته للدكتوراة عن جماليات النص القرآني والتي تعد من أكثر الاطروحات اقتباسا في الجامعات الألمانية في تخصصها، وإن كان كيرماني نفسه غير راض عن الترجمة ولذا كان حريصا أشد الحرص على أن يتابع سير هذه الترجمة بنفسه بل وتصميم الغلاف أيضا.

هاجر أبواه من إيران إلى ألمانيا والتحق هو بالمدارس هناك ثم الجامعة وحصل على الدكتوراة في علوم الإسلام ثم على درجة الأستاذية. يفضل كيرماني العمل ككاتب حر على العمل بالجامعة رغم حصوله على أعلى الدرجات العلمية.

يمثل نافيد كيرماني وجها مشرقا للإسلام في ألمانيا، فهو لا يتبنى أية صيغة تبريرية لكونه "مسلم" ولا يتبنى موقفا دفاعيا من حيث المبدأ لإسلامه ولا يحاول أن يدافع عن الإسلام ضد مشوهيه من المسلمين، فلسان حاله يقول أن كل الأديان بها من هو متطرف وشاذ وأن كباحث في الاسلام ليس هنا كي يدرأ تهما هي أصلا لا تعنيه.

يذهب بعض المسلمين في الغرب إلى إنكار بعض الأمور الصحيحة من الدين فقط بغرض التجمل ويبررون ذلك لأنفسهم بأن الإسلام بحاجة إلى تجديد وفي الأخير يخرجون لنا بإسلام يقولون بأنه حداثي وحديث وهو عن الأمرين بعيد وإنما هو إسلام "مُعدًل" يفي بمتطلبات ولاة الأمر في بلاد الغرب. والسبب في هذا أنهم يشعرون طيلة الوقت كما لو أنهم محل إتهام فقط لكونهم مسلمون، وهذا أمر نجد نقيضه تماما عند باحثين في علوم الإسلام آتين من الشرق العربي ولكنهم غير مسلمين وإنما مسيحيين، مثل إدوارد سعيد وجورج مقدسي، قدم سعيد ومقدسي وجها غاية في الاشراق للحضارة الاسلامية وأبرزوا وجهها الحقيقي في مواجهة تكاد تكون شاملة من قبل الاستشراق الغربي ومعهم في هذه الناحية يقف نافيد كيرماني تماما ويزيد عليهم أنه هو نفسه مسلم.

كيرماني هو نموذج المسلم المعاصر عضو فريق كرة القدم بنادي مدينة كولونيا الألمانية، الشغوف بالرحلات والاستكشافات، المشتبك مع قضايا مجتمعه الألماني، النشط في حزبه السياسي الذي ينادي بالعدالة الإجتماعية وحقوق العمال والبسطاء، حتى أنه سرت بعض الأراء داخل الحزب في فترة من الفترات أن يرشحه الحزب كرئيسا للدولة الألمانية ممثلا للحزب الديمقراطي الإجتماعي وان حدث هذا، كان سيصبح أول رئيس مسلم لألمانيا، ورغم أن هذا لم يحدث إلا أن به من الدلالة الكافية التي توضح لنا مدى القبول الذي يتمتع به كيرماني في أوساط الألمان.

للكتاب إطاران يدور فيهما، الأول هو إطار درامي قصصي غاية في الشاعرية، حول حوار بين كيرماني شخصيا وإبنته اليافعة التي تمثل الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين إلى ألمانيا ويتبادل فيه الأب مع إبنته الحوار والنقاش عن الدين وعن الله وهل هناك حاجة في عصرنا الحديث إلى الدين وإلى الله. نلمس في هذا الحوار مدى رهافة الحس التي يتمتع بهما كيرماني في إدارة الحوار مع إبنته التي يحبها، فهو من ناحية حريص كل الحرص على إيصال الفكرة إلى إبنته، ولكنه يعرف بمدى "حدود" سيطرته على الحوار، فهو يعيش في ألمانيا وليس في الشرق، الإبنة لها الحرية كل الحرية وبقوة القانون، ولا ولاية لأبيها عليها، ولا يصلح بالتالي الحوار إلا بالإقناع وقبل الإقناع يأتي الحب، وهذا ما نلمسه في كل سطر وفي كل فقرة من الكتاب، ولكن عن هذا لا أستطيع أن أجاري أبدا المؤلف في عذوبته وأتركه لكم تقرأون وأنتقل إلى الإطار الثاني وهو الإطار الفكري للكتاب وليس الدرامي.

في هذا الإطار الفكري نجد كيرماني أستاذ العلوم الإسلامية القدير يأتي لنا ببستان كبير جدا من شتى العلوم، فهو يقتبس من متصوفة العرب ومتصوفة الفرس والترك، يأتي لنا بالآية القرآنية تلو الآية وكأنك تقرأ القرآن من جديد في تفسيرات جمالية إشراقية في منتهى العذوبة تفتح امام إبنته مدارك وعي جديدة مليئة بالحب والسعادة أنها مؤمنة وليست أبدا محملة بالخوف والقهر.

لا يكتفي كيرماني أبدا بهذا، بل هو يعلم تمام العلم أن إبنته هي إبنة عصرها ولذا فلا يكتفي بالشعور والاشراق والحدس، بل يذهب بها إلى أرقى علوم العصر الحديث الذي نحياه وهي مباحث فيزياء الكم، نعم فيزياء الكم ويأخذ كيرماني الدليل تلو الأخر من فيزياء الكم ليثبت لإبنته اللايقين "العلمي" في فيزياء الكم وكيف أننا نتعلم منها أن ما ظنناه ونظنه انه صواب، أثبت العلم عكسه ولم يدلنا حتى على تفسير للظاهرة بقدر ما أثبت لنا أننا لا نعرف، وهو هنا قام باستبدال دليل المتكلمين الشهير في قياس الغائب على الشاهد، بأن قاس -طبقا لآخر نتائج فيزياء الكم- الغائب على الغائب.

الكتاب رغم بساطته الظاهرية إلا أنه كتاب فلسفي شديد العمق، مليء بالشواهد والاقتباسات من كتب متعددة العلوم والعصور، كتاب يلزمه حضور واستعداد لقرائته ورغم ذلك هو لا يصدم القاريء ابدا في تعقيدات وطلاسم، فالمؤلف لم ينس أبدا انه يحاور إبنته.

الكتاب لكل قاريء، لكل أب وأم يربون أبنائهم سواء في الداخل أو في الخارج، الكتاب لكل شاب وفتاة تحدثهم أنفسهم بالشك واللايقين، هو كتاب لا يعتلي منبر الوعظ ولا يدعي العلم الكبير، بل أننا نجد الأب في أحيان كثيرة يقول أنه لا يعرف جوابا وانما يملك هنا فقط حدسا وايمانا، الكتاب هو لمن يحب أن يقرأ القصة ولمن يحب أن يقرأ الكتاب الفكري.

المترجمة هي القديرة والواثقة والمحترفة، الأستاذة الدكتورة هبة شريف، التي كانت أستاذة للغة الألمانية في كلية الآداب بجامعة القاهرة "سابقاً". تشترك هبة شريف مع كرماني في قرارها بتفرغ نفسها لرسالة الفكر والأدب، مفضلة حريتها الإبداعية على التقييدات الأكاديمية. لدى الدكتورة هبة العديد من الترجمات من اللغة الألمانية، ويتضح ذلك في الكتاب من خلال العديد من الاستشهادات بأعمال ابن عربي وغيره من الصوفية. قامت هبة بالعمل الجاد في البحث عن الأصول العربية ومزجتها بأسلوب أدبي رفيع. وفي كثير من الأحيان، تفوقت ترجمتها على النص الأصلي الألماني.

لكي ندرك مدى تأثير كيرماني في المجتمع الألماني:

يعلن الناشرون في الغرب أحيانا عن إصدار كتاب جديد قبل طباعته لمعرفة عدد نسخ الطبعة الأولى قبل طباعتها، ومن ثم يقوم القراء بحجز نسخهم مسبقا. هذا الكتاب بيع منه خمسون ألف نسخة قبل أن يطبع!

تفاصيل المنتج
  • الوزن
    ٠٫٥ كجم
  • ٥٠
إضافة للسلة

منتجات قد تعجبك