مقدمة سارتر لكتاب "معذبو الأرض" تكشف آلية صناعة المفكر الشرقي في الغرب . وكيف يتحول إلى مستهلك للأفكار ، مقدمة عظيمة وبحث خالد.
كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من أفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في امستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وباريس، فتتغير ملابسهم، ويلتقطون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا، وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحياناً زيجات أوروبية، ثم نلقنهم أسلوب الحياة الغربية… كنا نضع في أعماق قلوبهم الرغبة في أوروبا، ثم نرسلهم إلى بلادهم وأي بلاد!؟ كانت أبوابها مغلقة دائماً في وجوهنا، ولمن نكن نجد منفذاً إليها، كنا بالنسبة إليها رجساً ونجساً، ولكن منذ أن أرسلنا المفكرين الذين صنعناهم إلى بلادهم، صرنا نصيح من امستردام أو برلين أو باريس «الإخاء البشري» فيرتد رجع أصواتنا من أقاصي أفريقيا أو الشرق الأوسط أو شمالي أفريقيا… كنا نقول: ليحل المذهب الإنساني أو دين الإنسانية محل الأديان المختلفة، وكانوا يرددون أصواتنا هذه من أفواههم، وحين نصمت يصمتون، إلا أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المفكرين !! لا يملكون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعنا في أفواههم .