لقد لقي هذا الكتاب عناية طائفة من علماء الغرب الإسلامي، انصرفت إليه أنظارهم وأعملوا فيه فكرهم بالشرح لأحاديثه والبيان لما اشتملت عليه من تفاريع الأحكام ومسائل العلم.
ولعل من أهم تلكم الشُّروح وأوسعها ما رمت تقديمه للقراء على وجه العناية والتحقيق، مما خطته يَراع الإمام العلامة أبي محمد عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التيمي التونسي المالكي - الشهير بـ «ابن بزيزة» (ت ٦٦٢ هـ)، ووسمه بـ مطامح الأفهام في شرح كتاب الأحكام.
الشرح الذي لاحتْ فيه شواهد ما حلّاه به المترجمون من الجمع والتحقيق والتبريز في مذهب الإمام مالك والمشاركة في العلوم، والاستدراك على الأئمة الفحول، حيث كان تعامل ابن بزيزة مع أحاديث الأحكام الصغرى من وجوه عدة - حسبما يقتضيه كلُّ حديث حديث-؛ فهو يعرض للغة الحديث وتفسير غريبه، وينبّه أحيانا على ما فيه من كلام النقاد وأهل الصنعة، وقد يسوق ما يشهد له من آي القرآن وأحاديث النبي ﷺ وآثار السلف، ويبين ما تدلّ عليه جمل الحديث من مسائل الفقه ونكت الفوائد والأحكام، مع الإشارة إلى أصول المسائل ونظائرها أحيانا، ويسوق الخلافيات ناسبا كل قول لصاحبه، مورداً تفاصيل القول الواحد وأدلته ومآخذ القائلين به، وفي أحايين كثيرة يذكر سبب الخلاف ومنزعه، ولا يخلي ذلك من بيان اختلاف مالك وأصحابه وإبراز المشهور في المذهب.
