يعد كتاب الإتقان في علوم القرآن واحد من أهمّ المراجع وأقدمها التي كتبت في البحث في علوم القرآن، استهلّ كاتبه مقدمة الكتاب في الحديث عن فضل القرآن وعظمته، ومن استغرابه من عدم كتابة الذين سبقوه من العلماء في علوم القرآن، وهذا الكتاب واحد من أهمّ المراجع التي يُرجع إليها فيفهم القرآن، فقد جمع فيه السيوطي علوم القرآن، ثمّ نقلَ أقوال من سبقوه من العلماء في الأبواب الخاصة بكلّ علم، وهو في كلّ باب يذكر الكتب المصنفة فيه، ويورد آراء العلماء وأقوالهم في موطنها المناسب، فتميّز هذا الكتاب بالشمول والاستيعاب، حيث اعتنى الإمام السيوطي في تنقيح الكتاب وتهذيبه ثم جعله مقدمة لتفسيره الذي كتبه وهو مجمع البحرين ومطلع البدرين.
اشتهر كتاب الإتقان في علوم القرآن، لمؤلفه دائرة معارف وقته الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله (ت: ۹۱۱هـ)، وطبّقت شهرته الآفاق، وسارت بذكره الركبان، إذ جمع بين دفتيه ما تفرق في غيره، واحتوى من كنوز القرآن العظيم ما يبهر العقل، فكان بحق، موسوعة فريدة علمية لا نظير لها في مجال علوم القرآن.
ولما كان الكتاب بهذه المكانة اهتم به الباحثون والدارسون، فاستخرجوا منه مواضيع مفردة مهمة، واختصروه، وكتبوا حوله دراسات وأبحاثاً، وحققه ،آخرون، واهتموا بتخريج ما ورد فيه من أقوال وآثار.
إلا أنه ومع هذه الخدمات الجليلة - ظلّ يفتقر إلى شرح يبيّن غوامضه، ويجوب نواحيه، ويجلي أسراره وينبّه على فوائته، ويكمل بعض جوانبه . . . وهو أمر لا يقوى عليه إلا الأفراد من العلماء، نظراً لطبيعة الكتاب وتشعّب، مباحثه و اختلاف، موارده، وكثرة أقواله وتنوّع مصادره، ففيه من العلوم والمعارف ما لا يوجد مثله في غيره.
ومن المحاولات التي وصلتنا - بفضل من الله - هذه الحواشي لعلامة وقته، إمام الفقهاء، وخاتمة المحققين بالديار التطوانية شيخ الجماعة، المفتي الخطيب، العدل الرّضى، سيدي أحمد بن سيدي محمد السلاوي التطواني (ت: ۱۳۲۰ هـ )، رحمه الله ورضي عنه، فقد رام فيما كتبه التحقيق والتدقيق، وأتى فيه بآرائه الثاقبة، وتصويباته السديدة، وأفكاره القويمة، لتكميل عمل الإمام السيوطي وتقويمه، وإن كان ما كتبه يغطي جلّ مواضيع الكتاب، إلّا أنّ هناك من المباحث التي تحتاج إلى مزيد بيان، وكثير من التوضيح.
وبعد، فهذه الحواشي التي بين يديك - أخي القارئ - تعدّ من فلتات الزمان، إذ وصلت إلينا ناجية من عوادي الدهر وصروفه، سالمةً من كلّ الجوائح - وقانا الله شرّ الجوائح، ورفع عنا البلاء والضراء - والفضل في هذا يرجع بعد الله عزّ وجلّ لأستاذنا الهمام العلامة الموفق، سيدي محمد بن الأمين بوخبزة التطواني رحمه الله وبرّد مضجعه، فهي من ذخائر مكتبته العامرة، ومقتنياته الفاخرة.
هذا وإن نسيتُ فلا أنسى ذلك اليوم الذي حظيت منه بهذه الحواشي على كتاب الإتقان، وكانت المذاكرة بيننا حول أعلام تطوان المغمورين، فما لبث أن ذكر الشّيخ السّلاوي - وهو شيخ شيوخه وأفاد أن نسخة السلاوي الأصلية التي عليها طره تحت يده، وزاد في كرمه أنه مكنني منها ساعتئذ ، فاغتبطت بما رأيت وسررت بما حصلت وكم في الزوايا من خبايا.
ومن ذلك الحين قررتُ العمل على هذه الحاشية، وأن أخرجها من حيز الخفاء للجلاء، لتعم بها الفائدة، ولنحيي أثراً من آثار هذا العالم الكبير، والمحقق الخطير الذي لم يلق نصيباً موفوراً من التعريف والاهتمام به، وعسى أن أكون وفقتُ فيما رُمتُه ، والله الموفق ابتداء وانتهاء.
يونس مصطفى السباح