ترى الكاتبة والأكاديمية ريبيكا روث جولد أن محو فلسطين يتم بطريقة ممنهجة وفق ثلاث مسارات؛ الأول عبر إعادة التسمية، وهو مسعى يعود بنا إلى مفهوم "شرقنة الشرق"، أي وضع الشرق، وفلسطين بالتبعية، داخل خطاب معرفي
يقوم بنقل الشرق عبر صور وأخيلة لا تمت للواقع بصلة.
المسار الثاني هو إعادة ترسيم الخرائط والفضاء والجغرافيا وتقسيمها بما يخدم مصلحة المستعمر الاستيطانية أو ترتيباته الأمنية، ليبدو فعل التمثيل الجغرافي محققًا على المستويين الواقعي والتخييلي، وهو ما يستدعي مفهوم جغرافيا الأمكنة التي لم تعد تحتفظ بذاكرتها وخرائطها القديمة. المسار الثالث، والأهم بالنسبة للكاتبة، هو منع حرية الرأي وحظر انتقادات ممارسات إسرائيل غير الشرعية تجاه الفلسطينيين. وترى أن هذا النوع من المحو لا يشمل الفلسطينيين فحسب، بل يشمل جميع المدافعين عن القضية الفلسطينية.
اهتمت الكاتبة بتعرية البنى المعرفية الإمبريالية المترسبة في اللاوعي السياسي والثقافي التي تدعم الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، فالصهيونية ما هي إلا استمرار للمشروع الاستعماري الغربي للشرق، الذي اعتمد الخطاب الاستعلائي نفسه الذي توجهت به الإمبراطورية إلى الشرق وإفريقيا، وفرضت هيمنتها على الخطاب الإنساني؛ فلم يُنظر إلى القضية إلا من خلال الرؤية الصهيونية وروايتها عن الصراع.
أتت ترجمة الكتاب كأفضل ما يكون من دقة في تناول الموضوع ومن رهافة في تطويع اللغة، ولا عجب فالكتاب ترجمته أديبتان حائزتان على الدكتوراه في اللغة العبرية، وهما د. ناهد راحيل ود. نهلة راحيل، وكلتاهما مدرستان للأدب العبري الحديث في كلية الألسن بجامعة عين شمس، وكلتاهما حصلتا على جوائز في الإبداع الأدبي والنقد الأدبي.