فهذا بحث مقتضب عما يترتب على رجوع المقرّ عن إقراره بحقوق الله أو بحقوق الآدميين.
والذي دفعني إلى كتابة هذا البحث ما لوحظ في هذه الأزمنة من كثرة رجوع المقرين عن إقراراتهم، وبخاصة محترفو الإجرام، حتى ولو كانت تلك الإقرارات قد صدقت شرعاً، مما نشأ عنه تحرج كثير من القضاة في اعتبار تلك الإقرارات وترتيب الأحكام عليها، وبخاصة الجرائم الخطيرة التي تعظم عقوبتها.
ونتيجة لهذا التحرج أخذ كثير منهم بالرأي القائل باعتبار الرجوع عن الإقرار في الجرائم الحدية، الأمر الذي أدى إلى إفلات كثير من المجرمين من العقوبات الرادعة، وتجرؤ البعض الآخر على ارتكاب هذه الجرائم غير عابئ بالعقوبات المرتبة عليها مادام أنه سيستطيع الإفلات منها بوسيلة أو أخرى، حتى ولو وقع في يد الجهات الأمنية، مما نشأ عنه انتشار الجرائم واستفحال أمرها داخل المدن وخارجها، الأمر الذي يتطلب في نظري دراسة متعمقة لآراء العلماء في هذه المسألة وأدلتهم وما أورد على تلك الأدلة، وبخاصة النصوص الواردة في اعتبار الرجوع عن الإقرار ومدى صحتها من ناحية الإسناد، وهل ذلك عام لكل مقر أم هو خاص بمن جاء إلى الحاكم مقراً بذنبه تائباً نادماً على ما كان منه طالباً التطهير ؟