قضية العقل من القضايا التي أثارت جدلاً كبيرًا في الساحة المعرفية الإسلامية والغربية، ففي الإسلام أثار المتكلمون قضية العقل ورتبوا عليها المعارضة الشهيرة بينه وبين النقل، وما ثار حول هذه المعارضة من مسائل كإفادة الدلائل النقلية لليقين ونحو ذلك، وفي الغرب إبان الثورة على الكنيسة أنتج الغربيون مذاهب فكرية بديلة عن الدين قائمة على العقل المجرد، فأصبح الفكر الغربي المعاصر فكرا عقلانيا صارخا لا يعتبر الدين حقيقة موضوعية، وإنَّما اختيارات نسبية اخترعها الإنسان.
وحين تأثر العالم الإسلامي بالفكر الغربي المعاصر بعد الاستعمار، وانبهر كثير من المسلمين بهذه الأفكار الغربية الوافدة، أصبح لزاما على المسلمين بيان هذه المعضلة العقلية بالكشف عن مفهوم العقل في الإسلام، ونقد المفاهيم المحدثة والباطلة، وكذلك بيان الموقف الشرعي من الاستدلال العقلي، وبيان منزلة العقل الصحيحة، ونحوها من المهام العلمية الملحة.
وفي هذا الكتاب بيان لبعض تلك المهام العلمية الواجب القيام بها في كشف هذه المسألة، وقد راعيت فيه عدم التطويل ليكون قريبا من القُرَّاء، وتحصل به الفائدة المرجوة بإذن الله.