فإن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على قلب نبيه محمد ﷺ ليكون للعالمين نذيراً، وهو هدى ونور وشفاء لما في الصدور، وكان من مهمة الرسول ﷺ بيانه للناس، ﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
وكان النبي ﷺ يبين لأصحابه الله معاني القرآن الكريم، كما علمهم ألفاظه، وكان الصحابة إذا أشكل عليهم فهم شيء من القرآن، سألوه؛ فيفسره لهم.
وكان الصحابة يفسرون القرآن لتلامذتهم من التابعين، وتبعهم على ذلك التابعون فعلموه لتابعيهم، ولا زال المسلمون على ذلك إلى يومنا هذا والله الحمد والفضل.
ومن أجل ما صرفت فيه الأعمار، وقضيت فيه الأيام؛ الاشتغال بكتاب الله قراءة وتعلماً وتعليماً وتفسيراً، إذ هو الحجة البالغة والصراط المستقيم، ولذلك توافرت همم الأئمة من علماء الأمة على تفسير القرآن وبيان معانيه، وتوضيح دلالاته، وإيضاح مقاصده، وبسط علومه، وأودعوا ذلك في مؤلفات جليلة بقيت للأمة مرجعاً، وللناس مالاً ومصدراً ، تحفظ فيها أقوال السابقين، وفهم السلف الأولين في تفسير الكتاب المبين، لئلا تزيغ بالناس الأهواء وتضطرب بهم الأفكار، وتزلهم الفتن، وتضلهم الاختلافات.
وقد تصدى شيخنا الفاضل د. عبد الله بن حمد الجلالي رحمه الله، لجمع معاني القرآن الكريم وصياغتها وسبكها في قالب مناسب، وفق منهج علمي في مقدمته التي أملاها قبل وفاته رفع الله درجته، وأسمى تفسيره النبأ أبان عنه الحكيم في تفسير القرآن العظيم.
وكان يلقيه في دروس علمية بالمسجد بجوار بيته رحمه الله، وطعم تفسيره بمعالجة حال الأمة بهدايات القرآن العظيم، فكان جهده متميزاً، ومن أفضل ما يمكن لطالب علم فعله، ومن مميزاته المتعددة:
أولاً: تنوع مصادر التفسير الواردة في هذا التفسير، فهو يعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة واللغة، وغيرها من المصادر.
ثانيا: الربط بين القرآن الكريم والواقع، ربطاً قائماً على العلم والبصيرة، متميزاً بالوسطية والاعتدال، لا يميل فيه إلى إفراط ولا تفريط، وربط القارئ بهدايات القرآن الكريم وإبرازها له بأسلوب مناسب.
ثالثا: اعتماد هذا التفسير في جملته على التفاسير الأثرية، مثل تفاسير : الطبري والبغوي وابن كثير، رحمهم الله تعالى، وأمثالهم.
رابعاً: جريان التفسير على مقتضى معتقد أهل السنة والجماعة في أبواب الاعتقاد و مسائله المختلفة ، مع تعرضه لمناقشة استدلال الفرق والطوائف بإجمال.
خامسا: ظهور الجانب اللغوي في هذا التفسير بجلاء، فهو يعتني ببيان تصريف الكلمات إذا دعت الحاجة، ويعتني ببيان الإعراب، والمعنى اللغوي.
سادساً: الجمع بين الآيات التي ظاهرها التعارض، وإيراد القراءات المختلفة في مواضعها مع توجيهها، وهذان الأمران بالغا الأهمية لمريد فهم كتاب الله تعالى.
سابعاً: مع العناية بما سبق من مصادر التفسير وكتبه وجوانبه المختلفة، فهذا التفسير يسلك مسلك التفسير الإجمالي مع التحليل لبعض الألفاظ، وهذا يعين القارئ المعاصر للتفسير على الإلمام بالمعنى الإجمالي. وقد رغب طلابه ومحبيه في تفريغ تلك الدروس، فوافق على ذلك، وأيد الفكرة وفرح بها، وكان يدعمها ويتابعها . فتم تفريغ الدروس الصوتية في حياته، وشرع بنفسه في تصحيحها حتى وصل إلى تفسير سورة الشعراء ثم توفي رحمه الله.
وبعد مماته؛ ولطول تلك الدروس ولوصيته رحمه الله بمراجعتها وتدقيق التفريغ لها، فقد بذل أبناؤه وتلاميذه الجهد في ذلك فأسندوا مراجعة المادة العلمية لأستاذ جامعي متخصص في التفسير من خريجي الجامعة الإسلامية المدينة وهو د. محمود علي صالح البعداني حفظه الله، ويسر الله لي أن أراجع المادة العلمية، وأشير عليهم بما ألاحظه من نقص أو تكرار، أو صياغة قدر جهدي وإمكاني، مع اعترافي بالضعف، لكن لعل ذلك يكون من ردّ بعض حقه علي، فقد حضرت له دروساً في التفسير وغيره، لاسيما ما كان منها في بلدتي الرس، ودروسه في كلية أصول الدين بالقصيم.
ومهما يكن الجهد المبذول فإنَّ أبناء الشيخ وتلاميذه حريصون على حسن الإخراج وانتفاع الأمة به، ويسعدهم تلقي الملحوظات والاستدراكات على طبعته الأولى. فنسأل الله أن ينفع بهذا التفسير المبارك، وأن يجزي مؤلفه خير الجزاء، ويجعل ذلك خالصا لوجهه، نافعاً لعباده.