فإنه إذا كان شرفُ العلم من شرف المعلوم؛ فإنّ أشرف العلماء وأرفعهم مرتبةً أولئك الذين علموا وعلّموا كتاب الله عز وجلّ، وسنة نبيه سيدنا محمد ﷺ الأجل، فبلغوا رسالة ذلك الشرع المنيف وأدوا - بعد خير تحمُّل ـ بأحسن أداء أمانة هذا الهدي الشريف، فاهتدى بنور ما نقلوه من ضلّ، وفي مرابع السيادة في دنياه، ومنازل السعادة في أخراه، نزلَ بعد طول عنائه وحلّ.
ولقد أبرزت شدّة عناية نقَلَةِ السنة الغرّاء، وقوّةُ رعايةِ حَمَلَةِ الوحي الثاني عن سيدنا أبي الزهراء، رجالاً أعلاماً، وجبالاً عظاماً، عُرفوا بالحفظ والضبط والإتقان، ووسموا بالدقة والتحري وتوقد الأذهان، فوَجبَت في أعناق أبناء الأمة معرفتهم، ولزمَ المسلمين أن ترتفع فيهم منزلتُهم؛ لأنه في التكليف بهذه المهمة الجليلة يكمن التشريف، ودون الاستناد إلى تراث هؤلاء الفطاحل يقع الدين في التحريف.