هذا هو المجلد الثاني من تراث الإمام أبي شامة المقدسي الذي ننشره تباعاً محققاً وقد تقدم قبله نشر مجلدة تحتوي على ثلاث رسائل لهذا الإمام الجليل. وكتاب ((المرشد الوجيز)) أجلُّ كتابٍ صنف في موضوعه وهو يتناول أهمَّ مسألة خلافية تتعلق بالقرآن الكريم وعلومه و أعوصَها على الإطلاق، وهي مسألة الأحرف السبعة، وما يتصل بها مِن مباحث الجمع والقراءات وغيرها، هذه المسألة التي اشتجرت فيها المذاهب وكثرت الأقوال، حتى التبس الحقُّ بالباطل، والرفيع العالي بالضعيف النازل، وحتى صرَّح بعض العلماء مِن المتقدمين والمتأخرين بأنها من المتشابه الذي لا يُعلم كنهه ولا يدرى معناه! وقد سلك الإمام في الكتاب منهجًا عاليا في البحث، جمع فيه بين المنقول والمعقول، وجمعِ المادة واستيعابها من جهة، ودرسها ونقدها وتحليلها مِن جهة أخرى، فكان دليلا مِن أظهر الأدلة على إمامته ومكانته في العلم، وقد حفظ لنا بما نقله عن كتب الأئمة المتقدمين نصوصًا ضاعت أصولها، ولم تصل إلينا، وهذا مما يزيد في أهمية الكتاب. أما كتاب ((مختصر البسملة)) الذي لخص فيه أبو شامة رحمه الله كتابه الكبير في البسملة وقرَّبه للطالبين، وهو يتعلق بمسألتين مِن أهم المسائل التي دارت لأجلها المناظرات، واحتدم الجدل العلمي بين فقهاء المذاهب المتبوعة، وخصوصا بين الشافعية ومخالفيهم فيهما، وهما: كون البسملة آيةً مِن الفاتحة ومن أوائل السور، وحكم قراءتها والجهر بها في الصلاة. وهو يطبع لأول مرة فيما نعلم، لا نبالغ إنْ قلنا: إنَّ فائدة المختصر المركز قد تفوق فائدة الأصل المبسوط، الذي يعدُّ مِن محاسن مؤلفات الإمام ودررها، ولهذا المعنى اشتد الإلحاح مِن قبل الفقهاء والمتفقهين في عصره عليه لاختصار الأصل وتقريبه.
ولأجل ذلك أودع فقيه الشافعية الإمام الرباني أبو زكريا النووي زبدةَ هذا المختصر بحروفه في كتابه الجليل المجموع شرح المهذب، بعد أن نسخه بيده وقرأه على مصنفه. وبين الكتابين صلة جليَّة لا تخفى، مِن خلال المسألة الأولى المتعلقة بقرآنية البسملة، ولذلك كان من المناسب نشرهما معا.