باحث ألماني ولد في حيفا عام 1960 تخصص في شئون الشرق العربي الإسلامي وفي الصراع العربي الاسرائيلي، درس اللغة العربية وعلوم الاستشراق في ألمانيا وحصل منها على درجة الدكتوراة عن تاريخ العمليات الفدائية وأعمال المقاومة في فلسطين المحتلة، يكتب حاليا في كبرى الصحف الألمانية مثل فرانكفورتر ألجماينه و زود دويتشه تسايتونج.
الكتاب:
كيف كانت النظرة الاوربية في نهاية القرن الثامن عشر قبيل الحملة الفرنسية إلى الشرق المسلم والعربي؟ هل كانت إستعلاء أم كانت دونية؟ هل ساهمت السياسة في تخريب ما بين الشعوب؟ مالذي لعبه التنوير الاوربي في صنع او ثبيت نظرة الغرب الى الشرق؟
هل كانت ثمة أخطاء في التقدير، وهل يمكن الآن تغييرها؟
كتاب ممتع يبحث في جذور الفهم والاستقبال للآخر، المسلم في نظر الأوربي الغربي في زمن التحولات الكبرى السياسية والاجتماعية في أوروبا والشرق.
يستعين المؤلف فيه بكم هائل من المصادر والارشيفات السياسية من الدولة البروسية وكذلك من إنتاج مفكرين وأدباء المان من عصر التنوير.
يمثل هذا الكتاب رحلة متعمقة في العقل الجمعي الأوربي في القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، إذ يمضي بنا وسط أروقة الحكم والسلطة ويظهر لنا نظرة الطبقة الحاكمة إلى الإسلام، المسلمين، والأتراك بوصفهم قادة العالم الإسلامي آنذاك وبوصفهم بلد الخلافة.
لا يتوقف الكاتب عند طبقة الحكام وأروقة السلطة فقط، بل يمضي بنا إلى عالم الكتابة، إلى دنيا الشعراء، المؤرخين، رجال الكنيسة والناشرين، الفلاسفة والمفكرين ويتناول منظور كل منهم إلى الاسلام والمسلمين. كيف نظروا له وكيف تفاعلو معه، هل رأوا فيه تهديدا، هل رأوا فيه شريكا، سواء على مساحة التعاون الاستراتيجي أو من خلال نطاق الأديان السماوية؟ إلى أي مدى كان التنوير مستنيرا؟ هل كان تنويرا قاصرا على الجماعة المحلية؟ تنويرا ينظر الى الذات دون عموم الانسان والانسانية؟ تنويرا نشكو منه اليوم في عالمنا المعاصر سواء من التنويرين العرب الذين ينزعجون من وجود آخر لا يشاركهم أفكارهم التنويرية ذاتها، أو من التنويرين الغربيين الذين يريدون فرض أجندة تنويرهم هم فقط في تناقض حاد مع فكرة التنوير ذاتها التي تنادي بالحرية وقبول الآخر!
على المستوى الظاهري، يتناول الكتاب دولة المانيا وعلاقتها بالدولة العثمانية، ولكنها ليست المانيا التي نعرفها اليوم وإنما المانيا في زمن القرن الثامن عشر وقت أن كان إسمها بروسيا ويحكمها فريدريك الكبير، المانيا وهي في خضم منافسة كبيرة مع قوى أوربية مختلفة، بدءأ من إمبراطورية الهابسبورج النمساوية، مرورا بالملكية الفرنسية العتيدة المسيطرة في أوروبا، ناهيك عن المملكة البريطانية والقيصرية الروسية، في الوقت الذي لم تكن ألمانيا نفسها قد توحدت تحت قيادة بسمارك بعد، بل كانت دويلات صغيرة تحارب من أجل البقاء. في هذا الوقت كانت الدولة العثمانية لازالت تحكم في أوروبا من خلال تواجد كبير في منطقة البلقان وألبانيا إضافة إلى مستعمراتها التي إمتدت حتى المجر وشبة جزيرة القرم في أوكرانيا الحالية إضافة طبعا إلى تمركزها في اليونان وبلغاريا.
هذا من الظاهر ولكن قراءة الكتاب من عمق تناوله للأمور، نجده يرصد النظرة الغربية إلى عالم الشرق الكبير بكل ما يحويه هذا العالم من غريب ومختلف ومغايرعن "المألوف" الغربي، فالدين والعادات التقاليد، المأكل والمشرب، ذوق الألبسة وفرش البيوت، عالم الأدب والبلاغة والنتاج الفكري هنا وهناك والمقارنات الدائمة بين الاثنين، نظرة مفكرين كبار وفلاسفة نجلهم ونكبرهم حتى يومنا هذا مثل فولتير وكانت وجوته وشيلر وهيردير وغيرهم، كيف نظروا الى العالم الاسلامي ممثلا في الدولة العثمانية ممثل الاسلام الرسمي في أعين الغرب في ذلك الزمان.
سنرى أيضا كيف نظر التنوير نفسه إلى ذاته وكيف رأى دوره، سنفهم ربما بعض الأسباب التي بسببها نشأ التنوير في أوروبا وسنرى غضب المفكرين والحكام على الكنيسة وسلطتها التي كانت اوروبا قد نزعتها عنها في ذلك الوقت وكيف ان التنوير الاوربي وضع نفس مقاييسه التي حاكم بها الدين في بلاده فقاس بها الأديان الأخرى، أي أنه نظر من خلال منظوره هو ليحكم بها على علاقة الدين بالسلطة في بلاد الآخرين.
مستوى ثان عليه أن نضعه أمام أعيننا ونحن نقرأ هذا الكتاب وهو السؤال الذي جرى طرح عكسه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإختصاره "لماذا يكرهوننا؟". السؤال سأله الغربيون لأنفسهم مفتشين عن الأسباب التي أدت بالآخر إلى كراهية الغرب والغربي إلى هذه الدرجة. هذا السؤال ربما يحق للشرقي والمسلم أيضا طرحه أثناء قراءة هذا الكتاب وهو عن الاسباب التي جعلت الغربي يكره المسلمين والعرب كل هذه الكراهية؟ قد تكون نظرة قاصرة للغاية إن قال قائل أن هذا بسبب فتوحات العثمانيين إلى أوروبا وبالأهم جوهرة التاج المسيحي وهي القسطنطينية ذاتها المدينة التي صاغت الدين المسيحي كله، ولكن يرد على هذا بأن الحروب الصليبية كانت قد سبقت الفتوحات العثمانية؟ فلماذا الكراهية؟ قد يقول قائل أنه بسبب أن العرب والمسلمين قاموا بفتوحاتهم أصلا وانتزعوا مناطق كانت تدين للأوربيين بالخضوع مثل مصر والشام وشمال أفريقيا، ولكن قد يأتي الرد في شاكلة: ومن أتى بهم إلى بلادنا؟ قد يقول قائل أن السبب وراء ذلك هو الإسلام نفسه الذي يعني وجوده نفي الآخر، وبالتالي لا بد للآخر من نفي الإسلام، فإن في نفيه تأكيد للذات! ولكن هذه المقولة إن قالها رجل دين، فلا يليق برجل "تنويري" أن يقولها لأنها تتصادم مع أبجديات تنويره وهي قبول الإختلاف!
نقطة أخرى ومساحة أخيرة نود أن نتطرق إليها في هذا الأمر، ونتوجه بها إلى الباحثين الشبان لدينا في عالمنا العربي في مجالات التاريخ وتاريخ الفكر وتاريخ الافكار والأهم هو علم الاستغراب، حيث يفتح أمامنا مؤلف الكتاب أرشيفات هائلة تناولت الشأن الشرقي المسلم في الدولة البروسية وفي الأدب والفكر البروسي في نهايات القرن الثامن عشر، معينا هائلا بكل مايحتويه من كتب واصدارات وجرائد ودوريات تؤرخ وتؤرشف للإستقبال البروسي لكل ما هو مسلم وشرقي، ولعل بدراسة هذا المصادر نصل إلى إجابات عن تطور النظرة الغربية لعالمنا حتى نصل إلى فهم أدق عن أسبابه وأماكن الإلتقاء وأماكن الفهم الخاطئ، نعم الفهم الخاطئ الذي استمر لعقود وقرون وربما يكفي أن يزيح أحدهم الغمام واللبس عن أصل هذه الفكرة أو تلك، حتى نلتقي سويا على أرضية مشتركة من الإنسانية التي تجمعنا معا، وهذا بيت القصيد من ترجمتنا لمثل هذا الكتاب، حيث أن مثل هذه الأرضية هي متواجدة بالفعل، ولكن لم يقم أحدنا أو أحدهم بالواجب الازم لإظهارها، نحن أقرب تجمعات بشرية إلى بعضنا البعض، العرب مع الأوربيين، فالتاريخ المشترك كبير للغاية والبحر المتوسط مثلما كان نقطة حواجز، إلا انه كان معبر إتصال، أدى إلى تقارب كبير للغاية بين شعوبه، ويظهر هذا من خلال التقارب في الكثير من النظر والإعتبار لأمور في الحياة يستعبها جيدا من خبر وجرب التقارب مع شعوب في الشرق الأقصى مثلا، المشترك والمتبادل هو أكثر بكثير ويتسائل الإنسان العربي عن حق عند مواجهته مع الإنسان الأوربي، على أي دين تختلفون معنا بشأنه، فالمسيحية هي أيضا إبنتنا وديننا ونحن من هديناكم إليه أهديناكم إياه!
المترجمة الأستاذة نعمة سلطان وهي تعمل مترجمة محترفة في وكالة الأنباء الألمانية بالقاهرة منذ أن تخرجت في كلية الألسن بجامعة عين شمس
تعاملت الأستاذة نعمة مع نصوص الأدباء الألمان مثل ليسينج وجوته وشيلير وهيردر كما تعاملت مع نصوص لمسرحيين وفلاسفة تنويريين وصاغت أفكار الكتاب بكل دقة واحتراف.
قامت الأستاذة نعمة بترجمة الإحالات كلها بما فيها العنوان لما رأته من أهمية في فهم السياق وتركت العنوان بلغته الأصلية حتى يفيد منه الباحثون.