طير بلا أجنحة رواية مدارات للأبحاث والنشر

٨٨

رواية في كل عشر سنوات. هذه الوتيرة في الإنتاج قد تهدد لويس برنيس بالنسيان من قبل جمهوره ، وقد تعرضه أيضا لعتاب وتأنيب ناشريه. لكن قراء هذا الروائي الإنجليزي الذي الفته آذاننا ، وهو من اسرة هاجرت الى إنجلترا في القرن الثامن عشر ، لن ينسوا انه اصدر ذات يوم رواية "مندلين القبطان كورلي" (دار دينويل ).

لكنْ لنبقَ في الحاضر ، في قلب هذه الرواية الجريئة جدا ، والتي تقرب لويس برنيس ، بكل تأكيد ، من نموذجه تولستوي. في الفترة التي كان لويس برنيس يوصف بـ "الرجل المريض" كانت الإمبراطورية العثمانية تثير بعض الافتتان. في "ايسكيباتشي" مثلا. في العام 1900 كانت هذه القرية ، الواقعة في الاناضول ، تبدو وكأنها تعيش عصرها الذهبي. كان فيها ، كما هو الشأن في كل مكان ، صانع الخزف ، والمجدّف الذي يلقي حماقاته على المارة. وفيها كانت الكنيسة والمسجد يتعايشان في وئام تام. واغرب من ذلك كله كان المسيحيون يتوجهون الى القبلة في صلواتهم ، وكان المسلمون يشعلون الشموع ويتبركون بالرجال الصالحين.

فكلما تضرع الناس بشفيع او وسيط كان حظهم اوفر في وصول الدعاء الى العلي. ومن التلفيقات الغريبة الأخرى ، اللغة. هنا في هذه القرية يتحدث الناس التركية ، لكنهم يكتبونها بالحروف الاغريقية.

عبر قرية "ايسكيباتشي ،"هذه يرسم لنا الروائي برنيس بالنسيان الإمبراطورية العثمانية برمتها ، مثل فسيفسائي. في هذه اللوحة الفنية الابداعية يعيش الامام عبد الحميد خوجة ، واسكندر صانع الخزف ، وإبراهيم ، راعي الماعز الذي يقترن بالجميلة "فيلوتي".

في فتنة هذه الصبية راى البعض نذير شؤم ، وانذارا بان كل شيء سيستحيل خرابا. خراب لن يعفو حتى عن هدوء وسكينة "ايسكيباتشي" التي ينبثق منها احيانا عنف خارق. كل شخصيات لويس برنييرس تحمل في ذاتها قدرا من الظل وقدرا من النور يتصارعان في حدة من اجل الغلبة.

ويتفاقم هذا الصراع في قلب هذه الشخصيات فيصل الى حد الحيوانية التي تجعل هذه الشخصيات ترجم امراة زانية ، وتسلط سوطها على افضل الرجال ان كان هذا الرجل ارمني العرق.

وتوازيا مع هذا النسيج الروائي يتابع القارئ صعود مصطفى كمال وتألق نجمه. قد يجد القارئ هذه المقاطع التاريخية الصرفة ضحلة مقززة: تربية كمال(الكامل) ، والصراعات ما بين الشباب الاتراك ، ومعارك الحرب العالمية الأولى. هذه المقاطع سعى بعض الناشرين الأجانب الى شطبها. ومع ذلك فهذه المقاطع هي العمود الفقري الحقيقي للرواية ، طالما ان سباق اتاتورك من اجل التحرير هو الذي بلبل مصير "ايسكيباتشي" واقدارها. فعند سقوط الإمبراطورية العثمانية طرد زعيم تركيا الجديد ارثوذكسيي القرية من الجنة ونفاهم الى اليونان. والحال ان الامة التركية تقوم على معادلة رياضية غريبة ، اذ صار المسيحيون فيها اغريقاً ، وصار المسلمون اتراكاً ، ايا كان مسقط رأس هؤلاء او أولئك.

في هذه الرواية التي تحمل عنوانا مهيبا جليلا والتي تصور وضع الكائن البشري الملتصق بالأرض ، الذي يحلم بان يعيش في عوالم لا وجود لها الا في خياله الصرف ، قلت في هذه الرواية نرى التاريخ وكانه نسيج كوكبة من المصائر والاقدار يعيشها القارئ مرتجا مصدوما. بهذه الرواية يبدو الكاتب لويس برنييرس وكانه حقق هدفه الاسمى ، افي ان يكتب قصة "الحرب والسلام" على طريقته.

تفاصيل المنتج
  • الوزن
    ٢ كجم
  • ٨٨
إضافة للسلة

منتجات قد تعجبك