فإن الحديث المُسَلسَل نوع طريف من مصطلح الحديث الشريف، وهو عند العلماء من لطائف الإسناد، وقد تفنَّنَ المصنّفون في التأليف فيه تزيينا لمروياتهم، وتنويها عن سعيهم الدؤوب في تحصيل الأسانيد حتى وقتنا الحاضر.
وهو من الفنون الطريفة التي جذبت اهتمام المحدثين إلى التصنيف فيها ؛ لما يحصل بروايتها من الاقتداء بالنبي الله ، ولما فيها من الأنس الذي يزيد على الأنس الذي يحصل برواية باقي الحديث، وقبل هذا وذاك فإنّ في العناية برواية المُسَلْسَلات ربطًا وثيقا للخلف بالسلف واللاحق بالسابق، وإحياء المهيع المحدثين في الحرص على الرواية والمحافظة على رسومها، وكفى بمن انتظم اسمه في الإسناد شرفًا أن يكون آخر سلسلة أولها رسول الله ﷺ.
ولما وقفت على هذه المخطوطة، وجدت الشيخ المصنف كعادته قد أبدع في تأليفها، فأخرج بسنده مسلسلا مرويات هذا الكتاب، وتفنن في هيئات التسلسل، ومما يزيد في قيمته العلمية أنَّ بعض هذه الأسانيد والمتون مما تفرد به.
كما أنه - وهو الناقد المحدّث - لم يُخْلِ المقام من الكلام على بعض الروايات بذكر موطن العلة فيها.
وإن كان يؤخذ عليه ذكر بعض الروايات شديدة الضعف، حتى عنده حيث ذكرها في كتابه الحافل الموضوعات»، لكن المعروف عن كتب المُسلسلات الاهتمام بلطيفة التسلسل دون مراعاة الصِّحة.
وهذا الكتاب يخرج للنور للمرة الأولى على نسخة خطية فريدة، وقد اعتنيت به وحققت مروياته وميزت صحيحها من ضعيفها حسب ما تقتضيه أصول الحديث.
وقد رأيت من تمام العمل والفائدة، تتبع الأحاديث التي وردت مسلسلة من رواية المصنف، ولم توجد في هذا الجزء؛ فعثرت على بضعة عشر رواية زائدة خرَّجها مصنفو المُسَلسَلات، غالبها من رواية ابنه يوسف ابن الجوزي عن أبيه، فرأيت من المفيد إلحاقها بكتابنا هذا؛ لذا قمت بعمل ملحق بتلك المرويات عقب الانتهاء من تحقيق الكتاب.
هذا، وقد قدمت بين يدي الكتاب دراسة مختصرة، في ثلاثة فصول:
أما الفصل الأول : ففيه أربعة مباحث، وهي كالآتي:
فأما المبحث الأول : فقد عرفت فيه بالمقصود بالحديث المُسلسل.
وأما المبحث الثاني : فقد ذكرت فيه أحكاما متنوعة تتعلق به.
وأما المبحث الثالث : فقد تكلمت فيه عن أقسامه.
وأما المبحث الرابع : فقد سردت المصنفات فيه.
وأما الفصل الثاني : فترجمتُ للمؤلف.
وأما الفصل الثالث : فجعلته للتعريف بالمخطوط، وفيه توثيق اسم الكتاب، ونسبته للمصنف ، ووصف النسخة الخطية.
