مميزات لغات العرب وتخريج ما يمكن من اللغات العامية عليها وفائدة علم التاريخ من ذلك - حفني أفندي ناصف

٣٠

إن اللغة العربية من الفوائد خزائن لا، وكنوزاً لا تغنى، وبدوراً لا تحجب، وعيوناً لا تنضب، ورياضاً لا تذوي، ولكن لا يصل إليها إلا من غاص بحرها ولى وجهه شطرها، وسيركُنّه أغوارها ، وجاس خلال ديارها ، وجاب نجادها ووهادها، ومراد مروجها، وورد مناهلها، وكم في زواياها خبايا مستكنة يعثر عليها، وخفايا مستورة لا يقف عليها إلا المنقبون، وكم بكهوفها البعيدة المنتهى، وفي شعابها العديدة التشعب من معادن نفيسة، وجواهر كريمة، تظهر لطالبها من عمل على استخراجها، ووجهها إليها عوامل البحث بمعاول الفكر، يؤمها دليل من التبصر، يحمل مصباحاً من التنبه يضيء غياهبها، ومغناطيسياً من التدبر يرشدها إلى مقاصدها.


وهذا ما سعى إليه المؤلف من خلال كتابه هذا، إذ، كما يشير قد هدته ممارسته لهذه اللغة الشريفة إلى أصل عظيم في استنباط التواريخ، واكتشاف مجهولاتها، أوقفته على طريق قديم يسلك منه إلى إبراز كثير من أسرارها الغامضة، وحل طلاسها المستعصية، ألا وهو الاستدلال بطريقة الكلام).


وعليه فقد اشتملت هذه الدراسة على بابين، الأول، ذكر الأشياء التي اتفردت بالتكلم بها دول مخصوصة من العرب وامتازت بذلك لغتهم عن اللغة الشائعة بين أحيائهم، لذلك لأن اللغة العربية وإن كانت في لغة واحدة لغة مغايرة للغة الفرنسية والإنجليز والألمان وبقية الأمم إلا أنها تتعدد للاختلافات التي توجد على ألسنة المتكلمين بها، فلغة هذيل غير لغة عقيل، ولغة قيس غير لغة أسد، و تميم تغاير لغة الحجاز، وهلم جرا والاتحاد والتعدد من جهتين مختلفين، فلا تناقض في الكلام، ويمكن تشبيه ذلك بإفراد بني آدم، فإنهم يتحدون جميعاً في الحيوانية الناطقة بحيث يطلق على كل فرد منهم لفظ إنسان، ولكنهم يختلفون بمميزات، أخرى فكل: الطول، والقصر...


على أن ذلك أمر موجود فى كل اللغات، فالخبير بلغة الفرنسيين مثلاً يستطيع أن يميز الباريسي من المارسيلي والإثنين من المونيلي فعندما يُسمع كلامهم، مع أن كلا يتكلم اللغة الفرنسية.


هذا بالنسبة لدعامة هذه الدراسة المثقلة بالباب الأول، أما الباب الثاني، فقد دارت الفروق التي توجد في اللغة العامية، وبها يحصل امتياز قوم عن القوم، وهذه الفروق كما لا يخفى على من يلقى سمعه إلا عظيمة جداً.


فلهجة أهل مصر تخالف لهجة أهل الشام، بحيث يعرف بذلك المصري في الشام، ولو كان متزيّناً بزي أهل الشام، والشامي في مصر ولو كان متزيّناً بزي أهل مصر.....


ومن استوفى الباحث هذين البابين هم أساس هذا الموضوع الاستدلال بطريقة الكلام فمن أدرك الوطر منهما فقد أدرك أربه من الموضوع وظفر منه بما يبتغيه.


وتجد الإشارة إلى أن ما اشتمل عليه الكتاب مثل الرسالة التي قدمها المؤلف لمؤتمر المستشرقين في ويانا سنة 1886م


تفاصيل المنتج
  • الوزن
    ٠٫٥ كجم
  • ٣٠
إضافة للسلة

منتجات قد تعجبك