لم تكن المسألة اللغوية في يوم من الأيام مسألة عملية، أي إن الناس يسكتون عن الكلام وعن الكتابة وعن التواصل لأنه لا كلمات ولا جمل عربية أو جارية على القواعد عندهم، أو يتعثر كلامهم وتعبيرهم من أجل شح المادة اللغوية الصحيحة أو الفصيحة في قرائحهم.
ولا كانت مسألة علمية، فلا ينتظر أحدٌ من عامة الناس قرارًا من مجمع لغوي، أو رأيًا أو بحثاً، ليعبر عما يريد من الأغراض، فالاستعمال اللغوي لا يجري هكذا. ربما تستطيع سلطة ما أن تستر شد بآراء العلماء وخلاصات أبحاثهم، وما يقترحونه من ألفاظ للأشياء والمعاني، فتستعمله في دواوينها ومخاطباتها، ثم يكون لهذا أثر فيما يستعمله الناس.
فالمسألة اللغوية أعقد وأعمق وأبعد من بحث علمي أو قرار أو مجلس يُصدر آراء فيما يقال وما لا يقال وما يحسن وما لا يحسن وقد اقترحَتِ المجالس والمجامع وآحاد العلماء كلمات كثيرة للاستعمال مكان كلمات أجنبية أو ملحونة، عاش بعضها وصادف قبولاً ورواجًا، ومات بعضها على أوراق من اقترحه. وليس يعني ذلك التقليل من شأن البحث العلمي، والرأي الخبير في شئون الأوضاع اللغوية، مفردات ومركبات ألفاظاً ومعاني، فهو لون من ألوان المعارف الإنسانية، وهو أيضًا حاجة من حاجات الاجتماع البشري في تعرف أحوال اللسان أي اللغة، أي تعلم أسماء الأشياء على المعنى الواسع للأسماء، وهو أيضًا حاجة في أحوال سلطوية أو إدارية، لأن العمل يقتضي تحري الصواب، وتحري توحيد طريقة التعبير. ولكن القصد أنه جانب واحد من جوانب مؤثرة في حياة الألفاظ والأساليب أو موتها، واستعمالها أو هجرانها، ورقيها أو انحطاطها.