جرينا في هذا الكتاب على غرار ،سابقه، فلم نعمد فيه إلى إيجاز البيان، ولم نكتف بسرد القضايا فراراً من الاعتماد على الذاكرة وحدها؛ فإن في شدة الحمل على حافظة الطالب إضجارًا له وإرهاقا لنفسه، وكثيرًا ما يبعثه ذلك على بغض العلم والزهد فيه.
ولا شك في أن خير ما يأخذ به الأستاذ تلاميذه هو ترغيبهم في الأدب و تحبيبه إليهم، حتى تهفو إليه نفوسهم، وتستشرف له أذهانهم، وإنما يكون ذلك بتهوين قضاياه وإسلاسها للأذهان، ولفت جانب من العناية إلى إيراد مختلف الأمثلة، لا حبس العناية كلها أو جلها على تقرير القواعد، ثم بعث الطالب على التدبر وتقليب الذهن فيما يعرض له من المسائل، ووزن الأقيسة التفطن إلى مداخلها حتى تخرج له النتائج صحيحة سالمة، ولهذا يتصل العلم بنفسه، ويشيع في حسه فيخرج متهينا - على قدر اجتهاده واستعداده- لأن يكون له أثر فيه بتحقيق أو بتجلية مغمور أو استكشاف عن مجهول.