فإن علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا، ومن حرمه، فقد حرم خيرًا عظيما، ومن رزقه فقد نال فضلا جزيلا.
وقد تنوعت فنون الحديث وعلومه وكثرت وتشعبت وقد أفضى ذلك في الغالب إلى إفراد بعض أنواعه بالبحث حتى صار فنّا مستقلا بنفسه، وإن كان في الأصل متفرعا عن غيره.
قال الحافظ الحازمي : اعلم أن علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مائة نوع، وكل نوع منها علم مستقل لو أنفق الطالب فيه عمره لما أدرك نهايته.
ومن مهمات فنون علم الحديث معرفة مناهج المحدثين ومقاصدهم وطرائقهم في تدوين السنة، وتصنيف الأحاديث وترتيبها.
ومن مقاصد المحدثين الأولى في التصنيف:
1- التصنيف على المسانيد.
2- التصنيف على الأبواب.
ثم تنوعت طرق المحدثين ومقاصدهم في جمع السنة وتصنيفها وكثرت وتعددت فظهرت : الصحاح والجوامع والمصنفات والمستدركات والمستخرجات والمعاجم والأمالي والأجزاء وغير ذلك من أنواع المصنفات.
وكل نوع من هذه الأنواع، يُصنف وفق منهجية منضبطة وشروط محددة غالبا، وأصحابها لهم طرق في بيان شروطهم وضوابطهم.
فمنهم من ظهر منهجه في مقدمة كتابه، كما فعل الإمام مسلم في صحيحه.
ومنهم من يفرده بمؤلف مستقل كـ رسالة أبي داود لأهل مكة في وصف سننه.
ومنهم - وهم الأكثر - من يترك بيان ذلك.
والوقوف على مناهج المحدثين واستنباط مقاصدهم في التدوين والتصنيف أمر مهم، يفيد في معرفة القيمة العلمية لهذه المصنفات، ومكانة أصحابها، ومقدار الجهد المبذول في جمعها وتصنيفها، ودفع الشبهة والإشكالات المثارة على بعضها.
يضاف لذلك اكتساب الخبرة والدربة في مجال البحث والتأليف والتحقيق في خدمة السنة النبوية.
لأجل ما تقدم عزمت على الكتابة في بيان شيء من هذه الجهود الكبيرة في هذا المجال تذكرة لنفسي ولغيري من قاصدي هذا العلم الشريف.
وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح (مناهج المحدثين) لقب حادث لم يُعرف فيما سبق، وكان يوسم في السابق قبل استقرار الفنون بـ (شروط الأئمة).
ولما كانت الشروط جزءًا من المنهج توارد أهل الاصطلاح المعاصر على تسمية هذا الفن بـ (مناهج المحدثين)، ليكون أعم وأشمل.
و قدمت بين يدي ذلك مقدمة تعريفية تشتمل على العناصر الآتية:
1-مناهج المحدثين في اللغة والاصطلاح .
2-نشأة مناهج المحدثين.
3-أهمية وفوائد معرفة مناهج المحدثين.
4-طرق معرفة المنهج.
5-أقسام مناهج المحدثين.
6-المؤلفات السابقة في مناهج المحدثين : نشأتها وأنواعها.
7-المؤلفات المعاصرة في مناهج المحدثين.