تحدثت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والحقوقية، بل ودول بأكملها خاصة الشمولية منها عن حقوق الإنسان، إذ إنه خطاب نسمعه ونقرأه يوميا، ولكن من منا تحدث أو قرأ عن واجبات هذا الإنسان؟
فاز هذا الكتاب بجائزة معرض فرانكفورت لعام 2018 كأفضل كتاب صدر في هذا العام في ألمانيا والمثير أن مانح الجائزة هنا ليس هيئة أو منظمة لها "بورد" من المحكمين الذين قد تُمَارَس عليهم ضغوط لتمرير فوز هنا أو خسارة هناك، وإنما في حالتنا هذه من منح الجائزة كانت مكتبات بيع الكتب الألمانية ذاتها، وهؤلاء في مصلحتهم المباشرة أن يبيعوا كتابًا "شعبيًا" من الدرجة الأولى وليس كتابًا فلسفيًا يتحدث عن الأخلاق!
الكتاب يعبر عن وجه من وجوه الشخصية الألمانية وهو التزامها العميق بفكرة الواجب والحق.
الكتاب لا يهمل أبدًا الحديث عن الحقوق الإنسانية، بل ويستعرض في ثناياه مسيرة الحقوق الإنسانية الطويلة وتذهب بنا عالمة المصريات والآثار بعيدًا إلى مصر القديمة وحضارات الشرق ثم تعبر من خلال الأديان التعددية والسماوية التوحيدية مرورًا بعصور النهضة الأوروبية حتى تصل إلى الميثاق العالمي لحقوق الانسان، بل وتذكر ديباجته، ولكن هذا هو نصف الموضوع بالنسبة لها.
النصف الاخر هو واجب الانسان، وهنا تدهشنا عالمة التاريخ والذاكرة الحضارية أنها تعود أيضا إلى الماضي في سرد شديد الإمتاع لمسيرة "واجبات الانسان" وتضرب أمثلة من الكتب المقدسة ومن "الحس الإنساني" العام في عصور مختلفة وتضرب كذلك أمثلة من حياتها الشخصية والأسرية أيضًا، فتذكرنا بواجب الإنسان في "عيادة" أخيه الإنسان، في إيواء الغريب، في الصدقة، في الإطعام، في دفن الغريب، في التعاطف مع المكلومين.
وتتساءل ألايدا أسمان عن كنه هذا الباعث الداخلي فينا جميعًا أن نقوم بهذا العمل أو هذا الفعل، لماذا تقوم جماعة ما في بلد ما بإيواء غريب؟ لماذا تدفن من لا قبر له ولا تحرقه أو لا تلقيه في البحر مثلًا؟ لماذا هذا التكريم للإنسان؟ لماذا نتذكر الموتى وهم لا يمثلون بالنسبة لنا أي فائدة "عملية"؟
تستعرض ألايدا برقة وبدقة شديدتين هذا الموضوع الجديد القديم وتسرد لنا طرفًا من خبراتها الشخصية الأسرية في هذا المجال، الكتاب مزود بصور ولوحات كثيرة تمثل امتثال الإنسان لفكرة الواجب واحترامه لقيمة الآخر كإنسان.
درست ألايدا أسمان المصريات واللغة الإنجليزية وآدابها وشغلت منصب أستاذ كرسي الأخلاق، وهي متزوجة من عالم المصريات الشهير يان أسمان.