الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ويسر علمه للإنسان فوعاه صغيراً وكبيراً، وجعله لخلقه سراجاً منيراً، والصلاة والسلام على النبي الأمي الذي جاء للعالمين بشيراً ونذيراً ، وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. أما بعد:
يعد مصطلح «التنمية البشرية من المصطلحات الحديثة التي شاعت في العقود الثلاثة الأخيرة، ولم يوجد لمصطلح دوي مثلما وجد للتنمية البشرية. وعلى الرغم من حداثة استخدام المصطلح، فإن فكرة التنمية البشرية ليست حادثة على الإنسان، بل تمتد بامتداد الوجود الإنساني ذاته فالسعي للتنمية والتطور ملازم لمسيرة الإنسان في حياته، وشكل إحدى الوسائل التي تطورت بها الحياة البشرية على كوكب الأرض. وقد شهدت الحياة البشرية تطوراً في مفهوم التنمية البشرية حتى استقر إلى ما وصلت إليه تقارير الأمم المتحدة التي ترصد هذه التنمية في مجال البشر ، منذ خمسينيات القرن الماضي.
إن مصطلح التنمية أصبح من أهم المصطلحات المتداولة على جميع الأصعدة، وفي مختلف المستويات الاجتماعية، فهي الهدف المنشود والغاية المطلوبة من كافة الخطط المرسومة من قِبل الحكومات والمؤسسات بل والأفراد أنفسهم؛ وذلك لما لها من تأثير على الفرد والمجتمع والدولة، بل الحضارة الإنسانية بأسرها. ويعد مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم الواسعة الانتشار في المجتمع المعاصر، حيث أصبح يمس بشكل أو بآخر كل جوانب الحياة بدءً من الجانب الروحي، ثم الجانب الصحي، والجانب الذاتي، بالإضافة إلى الجانب الأسري والاجتماعي وانتهاءا بالجانب المهني والمادي.
ولما كان الإسلام هو الرسالة الخاتمة، وشريعته هي الشريعة الباقية التي حوت كل ما فيه خير للبشرية، ولما كان القرآن هو الدستور الخالد الذي جمع كافة الدلائل التشريعية لتلك الشريعة الربانية، جاءت أهمية هذه الدراسة في التنقيب في القرآن الكريم عن وسائل التنمية البشرية بكافة جوانبها، ومحاولة رسم صورة عامة للتنمية البشرية الإسلامية، وإثبات السبق الإسلامي لكافة الرؤى التنموية المطروحة على الساحة في عصرنا الحالي، وهو الأمر الذي تم التوصل اليه فعلا من خلال الدراسة الحالية.
وتم العرض في هذه الدراسة الجوانب الشخصية المتعارف عليها في علم التنمية البشرية، مع استعراض كيفية تنمية كل جانب من تلك الجوانب الجانب الروحي، والجانب الذاتي والجانب الصحي، والجانب الاجتماعي، والجانب المهني، وأخيرا الجانب المادي، وذلك من خلال نصوص القرآن الكريم، والربط بين تلك الجوانب المتعددة والتوفيق بينها؛ حتى تم تحقيق الهدف المنشود من الدراسة. وفي النهاية تم تقديم مجموعة من التوصيات والتي تعبر عن مكونات خطة تنموية شاملة للشخصية الإسلامية، حتى تستعيد الأمة الإسلامية مجدها التليد، ومكانتها الرائدة، وتقود العالم من جديد.
