بعدَ حمدِ الله وفضلهِ: فهذا تحقيقٌ بديعٌ عزيزٌ لكتابِ ( شرحِ تلخيصِ المفتاحِ) ويُعرفُ بالمطوّل، للعلّامةِ التفتازانيّ رحمه الله.
وقد توجَّه إليه محقِّقُه فضيلةُ الأخِ والصَّديقِ الدُّكتور ضياءِ الدِّينِ عبد الغنيِّ القالِش حفظه اللهُ للعنايةِ به وإخراجِه في نشرةٍ علميَّةٍ متقنةٍ تليقُ به وبمنزلتِه العلميَّةِ، نشرةٌ تُذكِّرُ مُطالعَها أنَّ التَّحقيقَ الرَّصين الذي مضى عليه جمهرةٌ مِن العُلَماءِ الثِّقاتِ الأثباتِ كعلَّامةِ العربيَّة الأستاذِ محمود محمَّد شاكر، والسَّيِّد أحمد صقر، والدكتورِ محمود الطَّناحيِّ، وأخيرُهم وليس آخرَهم الأستاذُ الدُّكتور محمَّد أحمد الدَّالي رحمه ورحمهم الله = تذكِّرُ مُطالِعَها أنَّه لم يندثِر، وأنَّ اللهَ يُقيِّضُ في كلِّ وقتٍ مَن يحفظُ هذه العلومَ الإسلاميَّةَ على اختلافِ فنونِها وأنواعِها، وذلك على هيئةٍ يتحسَّرُ عليها أكابرُ علماءِ الثَّقافةِ الغربيَّةِ ومُعجبوها مِن أبناءِ جلدتِنا، ولعلَّها تكون باعثةً لهمَّةِ الكُسالى ممَّنْ يتصدَّى لنشرِ التُّراثِ، ومانعةً للعابثينَ والمُمْتطينَ صهوةَ هذا الحِصْنِ المنيعِ الذي يتهافتُ منه مَن ليس مِن أهلِه، ولو بعد حين. هذا، وقد جعلَ الفاضلُ المحقِّقُ مِن همِّه وسَدَمِه جملةً مِن الأمورِ التي يمكن تصنيفُها في الرُّتبةِ الأولى مِن رُتَبِ التَّحقيقِ السَّاميةِ التي يرنو إلى رؤيتِها أهلُ العلمِ بالتَّحقيقِ، منها:
1ـ مقابلةُ الكتابِ على سبعِ نُسَخٍ خطيَّةٍ مقابلةً تامَّةً منها نسختانِ مقروءتانِ على المؤلِّفِ رحمه الله، بالإضافةِ إلى أربعِ نُسَخٍ خطيَّةٍ اعتمدَها للمراجعةِ في حلِّ الإشكالاتِ والتَّعليقاتِ والضَّبطِ، ثمَّ على نسخة خطية نفيسة مِن متن «التلخيص» يظنّ أنّها منقولة من نسخة المؤلف.
2ـ استقصاءُ تعاليقِ العلَّامةِ التَّفتازانيِّ التي كتبَها على تصنيفِه هذا «المطوَّل»، وقد بلَغَت (330) تعليقٍ، وهي تُثبَتُ مجموعةً أوَّلَ مرَّةٍ في هذه النَّشرةِ العِلميَّةِ.
3ـ ضبطُ نصِّ الكتابِ ضبطاً دقيقاً مُراعياً ما وُجِدَ في الأصولِ الخطيَّةِ النَّفيسةِ المُعتمدةِ في التَّحقيقِ، مع شرحِ ما غَمُضَ مِن الألفاظِ والمصطلحاتِ بالاعتمادِ على كتبِ الشُّروحِ والمعاجمِ، وإثباتِ التَّعاليقِ الضَّروريَّةِ النَّفيسةِ التي كُتِبَت على «المطوَّل» مِن ضبطِ لفظٍ أو زيادةِ فائدةٍ مهمَّةٍ أو بيانِ مُشكِلٍ ونحو ذلك، مع العنايةِ في كلِّ ذلك بتفقيرِ النَّصِّ وتفصيلِه وربطِ عباراتِه بما يناسبُ تخريجَ الأقوالِ ومواضعَ بدءِ الكلامِ وانتهائِه.
4ـ العنايةُ بتخريجِ كلِّ ما جاء بين دفَّتي الكتابِ مِن الآياتِ القرآنيَّةِ متواترِها وشاذِّها، وكذا الأحاديثُ والآثارُ والأشعارُ والأمثالُ والأقوالُ التي صرَّحَ العلَّامةُ التَّفتازانيُّ بها والتي لم يُصرِّحْ بها، والتنبيهُ على ما غيَّره المصنِّفُ في نقولِه تلك وما تصرَّفَ فيه، مع ربطِ هذا الكتابِ بكتُبِ التَّفتازانيِّ الأخرى لا سيَّما البَلاغيَّةِ منها.
5ـ تصديرُ هذا التَّحقيقِ بمقدِّمةٍ غزيرةِ الفوائدِ بيَّنَ فيها حياةَ التَّفتازانيِّ وآثارَه وما وُجِدَ مِن إجازاتِه بخطِّه، وعرَّفَ الكتابَ وأصولَه وما انجرَّ إليه الحديثُ مِن تعريف منهجِ المؤلِّفِ ومادَّتِه العلميَّةِ.
6ـ ختمُ هذا العملِ بفهارسَ عِلميَّةٍ مُفصَّلةٍ بلغَتْ أربعةً وعشرينَ فِهرساً لا يملُّ قارئُها مِن مُطالعتِها وقراءتِها كاملةً لِما اشتملَتْ عليه مِن الفوائدِ والنَّفائسِ. إلى غيرِ ذلك مِن محاسنِ العملِ وإتقانِه التي يلقاها النَّاظرُ في هذا الكتابِ، فنسألُ الله أن يجزيَ المحقِّقَ الفاضلَ خيرَ الجزاء، وأن يوفِّقَه لِمزيدٍ مِن العطاء، وأن يجعلَ ما بذلَه في خدمةِ هذا العلم في صحيفته يومَ يلقاه، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ وأرجى مأمولٍ، والحمد لله ربّ العالمين.