أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله وأفضل الهدي هدي محمد ﷺ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ولقد دأب المسلمون منذ صدر الإسلام في الحفاظ على هدي النبي ﷺ من خلال جمع أحاديثه وروايتها حفظاً وكتابة وتدارساً وإملاءاً ومن ثم ذباً عن حياضه من الكذابين والوضاعين حتى أضحى المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، وعلماً قائماً بذاته ومصادره وقواعده ومن جملة تلكم الأحاديث النبوية أبو بكر الصديق الله ه وهو من هو في مكانته وعلمه وقدره، فاهتم الحفاظ والمحدثون بحصر مروياته وجمع طرقها في كتاب خاص ومن أوائلهم ما رواها عنه من مسند الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الجوهري البغدادي (ت: ٢٤٧هـ) حيث خرج مسنداً لأحاديث الصديق في نيف وعشرين جزءاً، وإلى ذلك أشار عبد الله بن جعفر بن خاقان حيث يقول: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حديث لأبي بكر الصديق، فقال لجاريته: أخرجي لي الجزء الثالث والعشرين أبي بكر»، فقلت له: أبو بكر لا يصح له خمسون حديثاً، من أين ثلاثة وعشرون جزءاً؟ فقال: «كل حديث لا يكون عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم».
ومن ثم صنف الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي (ت: ٢٩٢هـ) مسنداً أسماه بمسند أبي بكر الصديق حيث جمع فيه ١٤٠ حديثاً وأثراً لأبي بكر الصديق الله . ومن ثم قام الحافظ أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد (ت: ۳۱۸هـ) بتصنيف مسند أسماه بمسند أبي بكر الصديق في جزأين، وقام من بعده الحافظ محمد بن حاتم البخاري الشافعي (ت: ٣٥٩هـ ) بتصنيف كتاب أسماه بالروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق. ثم جاء الحافظ أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد النيسابوري الشافعي (ت: ٣٦٥هـ) وصنف مسنداً معللاً لأبي بكر الصديق الله مع جمع طرقه وشواهده في أكثر من ستين جزءاً. وتتابع من بعده الحفاظ في التصنيف حول مناقب الصديق ومنهم الحافظ محمد بن عبد الله النيسابوري.
الشهير بابن البيع (ت: ٤٠٥هـ) حيث صنف كتاباً بعنوان: مناقب الصديق. وشابه ذلك ما قام به الحافظ علي بن أبي محمد الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي الشهير بابن عساكر (ت: (٥٧١هـ ) حيث صنف كتاباً أسماه بفضائل الصديق. وعلى ثرى من سبق من الحفاظ قام الحافظ المفسر الإمام أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي (ت: ٧٧٤هـ) بجمع مرويات أبي بكر الصديق الله بشتى طرقها وشواهدها وآثاره من دواوين السنة الشهيرة وقام بترتيبها على أبواب الفقه مع التطرق إلى ما فيها من بيان العلل والفوائد الحديثية والنكات الفقهية والتي لا تصدر إلا من الجهابذة في العلوم.
فالحمد الله الذي يسر إخراج هذا الكتاب القيم الذي استبشر العلماء بخبر إخراجه أمثال الشيخ عبد الباري ابن العلامة حماد الأنصاري فقال (بشرى عظيمة). فدونك أيها القارئ الكريم هذا المسند الذي حكم بفقده منذ طباعة مسند الفاروق لابن كثير. وعلاوة على ذلك نفاسة النسخة في كونها منسوخة عن نسخة بخط الحافظ ابن كثير وفي حياته، حيث كان النسخ في عام ٧٤٠هـ.
وقد كان المؤمل أن يتجشم أحد الباحثين في علم الحديث النبوي لتحقيق المسند وإخراجه إلى عالم المطبوع وتيسر ذلك بفضل الله على يد الباحثة السيدة غالية بنت سالم بن علي آل سعيد والتي قامت بتحقيق المخطوطة كرسالة لاستكمال متطلبات شهادة الماجستير، حيث لم تال جهداً ولا وسعاً في العمل الذي ترى ثمرته بين يديك الآن، فجزاها الله خير الجزاء على ما قدمت.
ولأهمية الكتاب ومصنفه فقد قامت مكتبة الوراق العامة بنشر الكتاب ضمن جهودها الدؤوبة لإحياء التراث الإسلامي، وخدمة العلوم الشرعية، ورفد المكتبة الإسلامية بكل ما هو نافع ومفيد . سائلين الله جل في علاه أن يؤجر الأجر الحسن في الدارين لكل من اهتم بإخراجه في الحلة التي تراها بين يديك، ونسأله جل وعز أن ينفع به كل من قرأه وأقرأه واستفاد منه، والله من وراء القصد والسبيل.
الدكتور / إبراهيم بن حسن البلوشي و الدكتور / هادي بن صالح العوبثاني