كتابنا عقد لؤلؤ نَظيم، وإعجاز الذكر الحكيم؛ من المعالم الرائدة في ميدان الإعجاز القرآني، صنف في فترة ازدهار هذا الفنّ ونضجه، لعالم مشارك في الفنون من كبار الفقهاء الشافعية المتقدمين.
أبان مؤلفه أنّ الإعجاز القرآني وجوهاً متنوعة؛ تتصدرها الفصاحة والبيان، ورأى بعد تأمل واستقراء أن الإعجاز القرآني غير واقف عند حدود البلاغة، بل تجاوزها إلى آفاق رحيبة وغايات بعيدة، أشار في مقدمة كتابه لبعض الوجوه الإعجازية، ومن أبرزها: الإعجاز العَدَدِيُّ، الذي هو إقامة الحجة الحسابية على العالمين؛ ليتحققوا صدق صاحب الشريعة الأمين؛ كونه لا اله غير كاتب وغير حاسب، وفي شرعه برهان صائب.
ومن منهاجه : استَقرَأ المصنّف ابنُ سُراقة جميع الأعداد الواردة في القرآن وعقد لكل منها باباً وقام بدراستها؛ وذلك بإيراد الآيات المتضمنة الأعداد، ثم تفسيرها وبيان ما فيها من المعاني والحِكَمِ والفوائد، فالأعداد المتلوَّةُ في القرآن وألقابها عنده من إعجاز القرآن، ثم أردف عقيب كلَّ باب ما يتعلَّق بالعدد من الأحكام الفقهية المستنبطة على الطريقة المتقدمة، في تصنيف كتب الخصال.
جَمَعَ ابن سراقة في كتابه: بين الإعجاز التشريعي والإعجاز الحِسابي، ودل صنيعه على أن كل عدد ارتبط به تكليف أو حكم فقيه وجهاً إعجازيا، ونص عليه بعنوانه.
قال: تتبعتُ ما في القرآن من أعداد الحساب، وذكر ما يتعلق بكل موضع منها من الحِكَمِ والإعجاز، وجعلت لكلِّ عددٍ منه بابًا أذكر فيه جميع ما في القرآن من ذلك النوع من العدد بتفسيره وإعرابه، ثم ما علّق به من أحكام الشريعة المستنبطة من الكتاب والسنة، بعد أن أقدم في أول الباب: حكم العدد في نفسه، وكيفية حسابه في قسمته وضربه).
امتاز بمزايا، منها: التعليل لمقاصد الشريعة وإبراز محاسنها، والعناية ببيان الآياتِ المنسوخات في كل سورة وفق العدد، ومنها الاقتصار على مذهب الشافعي في تعداد الأحكام، وبيان ما كان مستنداً إلى الإجماع، وعرض النظائر من علوم القرآن، وذكرَ فُنوناً من الفوائد النحوية والتفسيرية والأصولية والتاريخية، ومن فوائده: تقريره أنَّ جميع العلوم في أصلها نبوية، أظهرها الله للناس على أيدي أنبيائه، وأنَّ القرآن ندَبَ إلى النظر في الكون والفلك والنَّفس والحساب، وجعل علمَ الشريعة أشرف العلوم وأوجبها على العامة والخاصة.
ومن مأخذِهِ: أنَّ الكتاب المنزل تبيان لكل شيء؛ قال: «فلا يظن ظان أن في العالم شيئًا ليس بموجود علمُهُ في القُرآنِ نصَّا أو مُضَمَّنَا، مُجملًا أو مُفَسَّرًا، لكن بعضه لأجلى مِن بعض، يُعلم المراد منه بظاهرِهِ.. وبعضُهُ أخفى مِن بعض، يعلمه من استنبطه بكثير فكر ومشقّة؛ زيادةً في الثَّواب.
الكتاب يُعَدُّ أقدم وثيقة تاريخيَّةٍ مفردة في قضية الإعجاز العددي في القرآن، والمنظور الذي أسسه المصنِّف مبني على استقراء النُّصوص، وحَصْرِ الآيات العَدَدِيَّة من منطوقات القرآن الكريم، وهو منظور مغاير للمفاهيم المستحدثة عند المعاصرين، المتتبّعة (التَّناسقات النمطية لأعدادِ الآيات، أو الكَلِمات، أو حروفها) بما فيها من تكلف ظاهرة وتعسف.
والحمد لله تعالى؛ أنْ حفظَت لنا خَزائِنُ اليَمَن السعيد هذا العِلْقَ العلمي النفيس ، ووفق الله الفاضل الدكتور عبد النُّور الحسين لخدمة هذا المخطوط يريده؛ لأول مرة، فقد بذل فيه جهده وثمين وقته ، شكر الله له وبارك فيه.