إن هذه الدراسة تكشف عن حلقة مهمة من حلقات الفقه الإسلامي: أهمل دراستها جلُ الدارسين للفقه؛ حيث لفت النظر وقوعها بين عصرين بارزين هما: عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام -رضوان الله عليهم- وما فيه من أنوار باهرة، ثم عصر المذاهب الفقهية والأئمة المتبوعين وما له من سيطرة على الفقه ظاهرة. وفي هذا الكشف استجلاء لعوامل قوة الفقه الإسلامي في واحد من أزهى عصوره.
لقد تميز عصر التابعين بمواجهة الفقهاء لتطورات كبيرة استجدت في حياة المسلمين؛ نتيجة للفتوحات المتتالية، ودخول أمم الأرض في دين الله أفواجًا وتحت إمرة المسلمين، ومع ما في البلاد المفتوحة من أعراف وعادات وتقاليد ونظم حياة، وما أنتجه ذلك كله من قضايا مستحدثة تحتاج إلى الفتوى والنظر الفقهي المتواكب معها، الذي ينزل النصوص وأحكامها على مقتضياتها من أرض الواقع، وقد رأينا أكثر إقبال علماء التابعين على علم الفتاوى والأقضية توافقًا مع شدة حاجة العصر إليها في الولايات والحكومات ...، ودراسة هذه الفتاوى والأقضية وإظهار المناهج والأصول التي قامت عليها يفيد النظر الفقهي الحديث الذي يواجه مستجدات متلاحقة -في عصر السرعة- لا تقل عن مستجدات عصر التابعين.