فهذه المجموعة الثانية من كتابي : سمط الفرائد من شذور الفوائد وهي كما سبق في نظيرتها من المجموعة الأولى مما جمع من الأوراق أو نقل من بطون الدفاتر ، مما حوته من الفرائد والفوائد والأبحاث والمسائل المنثورة في غير مظانها ، التي دُوِّنَتْ في أوقات متباعدة.
وهذا النوع من التأليف - مع ما فيه من فوائد - هو إحماض للقارئ، وإجمام للنفس، وترويح للقلب؛ لأن النفوس تَمَلُّ، والقلوب تتعب، وقد كان الزهري رحمه الله يحدّث ثم يقول: «هاتوا من أشعاركم، هاتوا من أحاديثكم؛ فإن الأذنَ مَجَّاجَةٌ ، والنفس حَمْضَةٌ»، وعنه قال: رَوِّحُوا القلوب، ساعةً وساعة)، وعن قسامة بن زهير الله قال : روحوا القلوب؛ تعي الذكر).
ولا فرق في هذا النوع من التأليف بين ما ألف ابتداءً على هدف مراد، وتبويب مقصود، كالموسوعات الأدبية التي تحوي كُلَّ مختار منتقى من مأثور الأدب نظما ونثرا، مع اختلاف في المنهج، والمادة العلمية التي حواها كُلُّ مُؤَلَّف حسب شخصية المؤلف وميوله الأدبية، وبين ما لم يرتب على نسق معيَّن من الموسوعات العلمية الجامعة لفوائد شتى من العقيدة والتفسير والفقه وغيرها مما يتعلق بها، وما يتبع ذلك من لطائف وفوائد، ومنه - وهو أقل منه - ما جُمع من بطون الدفاتر من فرائد الفوائد.
فمن النوع الأول: عيون الأخبار لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه، و بهجة المجالس وأُنس المجالس لابن عبد البر، و ربيع الأبرار للزمخشري.
ومن النوع الثاني: بدائع الفوائد لابن القيم ،و الفوائد له - أيضًا.
ومن النوع الثالث: كُنَّاشة النوادر - بتشديد النون وتخفيفها لعبد السلام هارون، والمنتقى من فرائد الفوائد للشيخ محمد العثيمين، و كشكول ابن عقيل للشيخ عبد الله بن عقيل رحم الله الجميع.
وقد اعتنى العلماء بهذا النوع من التأليف من مختصر ومبسوط؛ لأهميته وعظيم أثره - كما تقدم، وقد يكون شيء داخلا تحت الأغراض الثمانية التي قُصد منها التأليف، ضمن قولهم: «مُفَرَّقٌ قد منه جمع»، وقد يكون غرضًا مستقلا بنفسه، مما يدل على عدم حصر الأغراض في هذا العدد.
ثم اعلم أيها القارئ الكريم أن ما ورد في هذه المجموعة وما قبلها من مراجع لا يعني أن كاتب هذه الفوائد قد قرأها كلها، وإنما هي مراجع يرجع إليها في موضوعات معينة عند الحاجة إليها، وفي أثناء ذلك يتم - بتوفيق الله تعالى - التقاط هذه الفوائد.