فكرة هذا الكتاب ولدت عندما كنت أدرس مناهج البحث في الدراسات العليا بكلية الشريعة بالرياض، حيث يتحتم علي الرجوع إلى العديد من كتب مناهج البحث.
وحينما تيسر لي الاطلاع على تلك المناهج رأيت التقارب بين ما احتوت عليه من خطوات البحث العلمي، وقواعده العامة، وما عرفته من قواعد أصول الفقه، بحكم تخصصي، فأدركت أن علم أصول الفقه لم يتبوأ المكانة التي يستحقها بين العلوم الشرعية، على الرغم من تنويه كثير من العلماء بأهميته منذ بدء التأليف فيه على يد الإمام الشافعي رحمه الله، الذي كان يطمع أن يكون هذا العلم ميزانا يحتكم إليه المختلفون في قبول القول أو رده، وصحة الاستدلال أو فساده، مرورا بقول الغزالي "خير العلوم ما اجتمع فيه العقل والسمع واصطحب فيه الرأي والشرع "وقول بعض العلماء من حرم الأصول حرم الوصول ".
وقد تبين في ثنايا هذا الكتاب أن علم أصول الفقه احتوى على أكثر ما جاء في مناهج البحث الحديثة، وبخاصة المناهج الثلاثة العامة ( الاستنباطي والاستقرائي والتاريخي )، وهو يمثل بحق منهج البحث في العلوم الشرعية، الذي لا يستغني عنه الباحث في تلك العلوم، ولعل ذلك هو ما جعل بعض المؤلفين في هذا العلم يسمونه علم الأصول دون إضافته للفقه، لما عرفوا من كونه أصولا للفهم الصحيح في كل العلوم الشرعية.