الأنوار والمراقب 1/7 - يعقوب القرقساني البحر الأحمر للنشر

٥٠٠

كانت بغداد شاهدًا على الحضارة العربية الإسلامية زمن النهضة العظمى، كانت قصبة الخلافة وعاصمة العالم وقبلة العلم ومقصد العلماء. إحتضنت بغداد أديان العالم المعروفة آنذاك معبرة خير تعبير عن الحضارة الإسلامية في أوجها، فإذدهر العلم وساد التسامح وأينعت الحياة. كانت أديان الزرداشتية والمانوية والصابئة ومعهم أديان الهند، والمسيحية بأطيافها الكثيرة وأشهرها آنذاك اليعقوبية والملكية والنسطورية، واليهودية بفرقها الكثيرة وأشهرها الربانية والقرائية، والسامرية التي لم تعترف باليهودية، والإسلام بمذاهبه من شيعة جعفرية وزيدية وأهل السنة، وبأفكار المسلمين من معتزلة وجبرية ومرجئة ومفوضة وأشعرية وأهل الحديث، كل هؤلاء عاشوا جنبا إلى جنب في ظلال بيت حكمة دار السلام الشهير الذي إحتضن أفلاطون وأفلوطين والمعلم الأكبر أرسطوطاليس وأخرج المعلم الثاني الفارابي الذي أورث العلم من بعده إلى الشيخ الرئيس إبن سينا، في بغداد التي حاجج فيها متى بن يونس الإمام السيرافي، وقارع أبو عيسى الوراق يحيى بن عدي وأنتج لنا الجاحظ كتبه ونافس فيها الكوفيون البصريين، وكتب لنا فيها فيلسوف العرب الكندي رسائله وهو يعلم أولاد الخلفاء الحكمة كي يحسنوا سوس الرعية، وسارت إليها العلماء من الأمصار تتعلم العلم، لتعلمه فسطعت شمسها على العالم أجمع ولم تكن فيه شمس سواها؛ في بغداد التي حفظت وكتبت فيها العرب للدنيا العلم، وتلقفته منها القاهرة، والزيتونة، وقرطبة وأشبيلية وفاس ودمشق وحلب وحمص والقدس الشريف، وأخرجت لنا هذه الحواضر حضارة زاهرة لازلنا نعيش فيها وتعيش فيها.


في بغداد هذه، كانت الناس تتحاور وتتناقش في مجالس العلم في حضرة الخلفاء والأمراء، وكانت المناظرات تدور في جو من الحرية لم تعرفه البشر من قبل ولا من بعد، وكانت شروط المناظرات أن لا يلجأ المتناظرون إلى كتبهم المقدسة وشرائعهم في الحجاج، وأن تكون المحاججة على أرضية من المنطق والفكر فقط. ناقشت الناس الفلسفات والأفكار والديانات بعد أن أصبحت العربية هي وعاء العلم كله بألف لام التعريف، والذي تُرجم إليها كاملا، وكان الخلفاء يضعون على كفة الميزان أوراق الكاغد التي تحوي الترجمة يدفعون مقابلها ذهبا، ثم بعد أن استوعبته، أنتجت وأورقت ودانت قطوفها للجميع بالخير.


في هذا المناخ كتب أبو يعقوب القرقساني موسوعته الكبرى "الأنوار والمراقب" سائرا فيها على خطى المسلمين، يكتب في أصول الدين وأصول الفقه والفرق والمذاهب اليهودية على مذهبه القرائي، وهو مذهب جديد آنذاك، كانت ولادته أيضا في العراق، حيث خرج عنان بن داود على المذهب السائد في عقيدة قومه اليهود متأثرا بفكر المعتزلة والإمام أبي حنيفة النعمان، وناقش التشريعات اليهودية وبدأ في التساؤل عن السند والرواية وناقش المتون التشريعية وأبطل الكثير منها ورفع لواء التجديد، قائلا إما التجديد وإما الفناء.


نحن في كتابنا هذا أمام موسوعة دينية يهودية ولدت في حاضنة إسلامية واستخدمت مصطلحات إسلامية واتبعت في بناء فكرها العقدي منهجية إسلامية وقامت بالتصدي للمنهج اليهودي السائد آنذاك وهو منهج الربانيين، الذي كان بدوره في طور التجديد وأيضا بسبب الأثر الإسلامي ولهذا قصة أخرى تطول. ولا يكتفي القرقساني بشرح الدين واقتفاء أثر المسلمين، ولكنه ينتقد أيضا المخالفين من اليهود الربانيين ومن السامريين والمسيحيين وبطبيعة الحال من المسلمين. لم يكن من الممكن أن يُكتب عمل مثل هذا سوى في بغداد، وبروح بغداد وبعقل بغداد وبتسامح أولي الأمر في بغداد؛ موسوعة لم يكتب مثلها في البلاد.


نأمل أن يثير هذا الإصدار شهية الباحثين والعلماء المتخصصين على البحث في دراسات مثل أوجه التقارب والتشابه بين الفكر المعتزلي والفكر القرائي، الأثر القرائي على الفكر العقدي الرباني، التأثير الاسلامي على الفرائض والعبادات اليهودية، أوجه النقد التي وجهت من القرائيين للفكر الإسلامي آنذاك وهل بها جدة ووجاهة، أوجه النقد التي وجهت الى الأديان الأخرى وهل أفاد منها المجادلون المسلمون والأخرون في جدلياتهم، الأثر الاسلامي على منهج كتابة الأنوار والمراقب من حيث الشكل والترتيب، ومن حيث الموضوعات وطرق تناولها والنتائج الموصول إليها. الكتاب هو منبع لشباب العلماء المفتشين عن موضوعات بحثية لرسالاتهم، وهو نبع سينهل منه البحث العلمي سنينا عددا.


قام على هذا الإصدار أربعة من خيرة علماء الدراسات اليهودية في الجامعات المصرية، وكلٌ علمٌ في تخصصه وهم الأستاذ الدكتور مصطفى منصور أستاذ دراسات التلمود والمشنا في جامعة القاهرة، الأستاذ الدكتور شريف حامد أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة المنوفية، الدكتور حسين عبد البديع الباحث في دراسات العهد القديم في جمهورية الصين الشعبية، وعمل هذا الفريق لسنوات طوال تحت إشراف الأستاذ الدكتور الكبيرأحمد محمود هويدي أستاذ الدراسات اليهودية بكلية الآداب جامعة القاهرة والذي أثرى المكتبة العربية بعظيم الدراسات عن اليهودية العربية.

يصدر هذا العمل في سبعة أجزاء، جزء أول يمثل مقدمة كتبها الأساتذة مجتمعين، يقدمون فيها للعمل بتمهيد تاريخي وفكري للديانة اليهودية منذ البداية حتى القرن العاشر زمن تدوين العمل الأصلي، ثم يأتي متن العمل نفسه في خمسة أجزاء، ثم يعقبهم جزء سابع يقوم بدور المعجم الشارح للمصطلحات اللاهوتية والفقهية اليهودية، كما يحوي كشًافَا للكلمات المفتاحية من شأنه أن يسهل عمل الباحثين والقراء في الوصول الى مظان الكلمات في المتن الأصلي بأجزائه الخمسة.


تأتي الطبعة في إخراج أنيق يشمل علبة حافظة تحوي المجموعة كاملة، مما يليق بعمل على هذا المستوى.

تفاصيل المنتج
  • الوزن
    ٧ كجم
  • ٥٠٠
إضافة للسلة

منتجات قد تعجبك