وكذا قال ابن تيمية: ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك، وأيضًا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا في فن من العلم - كالطب والحساب - ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم، وقيام دينهم ودنياهم.
ولأن القرآن كتاب معظّم وكلام الله ، فإن فهمه على وجه صحيح أمر غاية في الأهمية، ولتحقيق هذا الغرض كتب علماء التفسير قديمًا وحديثا كتبا عديدة في علم التفسير، واهبين الأُمَّةَ الآلات التي تحتاج إليها للانتفاع الكامل من معاني القرآن، وقد رأى المؤلف حاجة إنشاء كتاب جديد في الباب يُقرِّب المنثور، ويقدّم المبثوث _ فإن الكتب التي صُنفت في هذا المجال اللامع جواهرها منتشرة، ولآلئها منبثة_.
ولما يحتوي عليه هذا الكتاب من الجمع والتقريب والتمثيل واستخلاص اللب اللباب، يُرجَى أن يُلبّي في أقرب وقت جميعَ حاجات الطلاب في الجامعات الشرعية، ولا سيما طلاب قسم التفسير.
ولا يخفى أن الفنون الشرعية الأخرى كالفقه والحديث لها بالتفسير ارتباط تام وتلازم وثيق، فلا بد لمتخصص هذه الفنون من الإلمام به، وإن كان التناول من قصعة أكثر من قصع أخرى، ومما سرَّني وبرد خاطري فكرة الدكتور أبي سهل محمد سعد شيخ رحمت الله التي تتمثل في تقرير وإدخال محاضرات ودروس علوم الحديث والتفسير لطلاب الإفتاء بمعهد الإمام الطحاوي، راغبا أن تنشأ في الطلاب دراية بهذين الفَنَّيْن أيضًا اللذين هما من العلوم المقصودة كالفقه، وهذه الدروس لم تكن يوميّةً ، فما أخلّت ببرنامج الفقه، بل كانت تنعقد من حين إلى آخر - وقد تشرَّف كاتب هذه السطور بتدريس علوم التفسير، وبعض ما في هذا الكتاب لطلاب المعهد - ومع ذلك فقد عزم على أن تكون بطريقة تثري الاستيعاب، وحبّذا لو تَبنَّت المدارس هذا الموضوع وهذه الفكرة بما يليق من اهتمام ورعاية.