فإن من أنفع ما ينتفع به المرء في دينه ودنياه الاشتغال بكلام الله تعالى تلاوة وتجويداً، وتعلماً، وتعليماً، وتأليفاً، وعلوم كتاب الله العزيز من أجل العلوم وأشرفها؛ لأن شرف العلم يشرف بشرف المعلوم، إذ بهذه العلوم نتوصل إلى فهم كتاب الله تعالى، وعلم القراءات القرآنية من أوثق وأشد العلوم ارتباطاً وصلة بكتاب الله، فهو من أشرف علوم القرآن ذكراً، وأرفعها قدراً، فبمعرفته يصان كتاب الله من التحريف والتغيير، وبه يعرف اختلاف ألفاظ القرآن، وغير ذلك من فوائد هذا العلم العظيم ولذلك اعتنى العلماء بهذا العلم أتم عناية، وألفوا في ذلك الكتب المطولة والمختصرة بالأسانيد العالية، وأتوا فيها بالمسائل المحررة المفيدة.
وإن من جملة أولئك الإمام المقرئ محمد بن أحمد بن الهيثم، أبا بكر الروذباري -رحمه الله- كان حياً سنة ٤٨٩هـ، وقد اعتنى بهذا العلم قراءة وإقراء، وألف في ذلك كتابه (جامع القراءات) الذي يُعد من الكتب القديمة في علم القراءات، ومن البلخي.
عصورها الذهبية حيث الرواية عن كبار علمائها كالإمام الحسن بن علي الأهوازي رحمه الله.
وانطلاقاً من أهمية هذا العلم عزمت على تحقيق كتاب (جامع القراءات) لأبي بكر محمد بن أحمد الروذباري - رحمه الله - و تقدمت به لنيل درجة الدكتوراه في قسم القرآن الكريم وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وإنما اخترت هذا الموضوع لما لهذا الكتاب من أهمية كبيرة؛ حيث إنه من الكتب القديمة في علم القراءات، فمؤلفه من علماء القرن الخامس الهجري، وقد ضم كتابه القراءات العشر وغيرها، مع بيان الخلاف بينها في الأصول والفرش، وضمن كتابه مرويات لكبار الأئمة أمثال: الإمام أبي علي الأهوازي (ت ٤٤٦ هـ)، والإمام أحمد المروزي الذي روى عن شيخه أبي الفضل الخزاعي (ت ٤٠٨ هـ) وغيرهما.
كما أنه حوى على كثير من مرويات الإمام الأهوازي، وكثير من آرائه وأقواله التي لا يوجد بعضها في كتبه المختصرة التي وصلت إلينا.
إضافة إلى ما تضمنه الكتاب من طرق القراءات الكثيرة، مما يدل على أهمية الكتاب، ومكانة مؤلفه الذي أثنى عليه كل من ابن عساكر (ت ٥٧١هـ)، والذهبي (٧٤٨هـ)، وابن الجزري (ت۸۸۳ هـ) رحمهم الله في ترجمتهم له، ووصفوه بالدرجة العلمية في العلم، والبصيرة في علم القراءات وعللها.
ومن الأسباب أيضاً ثناء العالم المحقق الإمام ابن الجزري على هذا الكتاب حيث قال: هو مؤلف كتاب جامع القراءات لم يؤلف مثله، رأيته بمدينة هراة، قد جمع فيه القراءات العشر وغيرها، وأتى فيه بفوائد كثيرة بالأسانيد المختلفة.
كما أنه ذكر أوجه القراءات المتعددة عن الأئمة العشرة ورواتهم، مما يثري في توثيق القراءات والتفسير واللغة.
واشتمل على جل ما يتعلق بالقراءات من حيث الرواية والدراية، واشتمل على كثير مما يحتاج إليه القارئ والمقرئ، وقد ضم منظومة نادرة في تاريخ علم التجويد من القرن الرابع الهجري رواها المؤلف عن شيخه الأهوازي، وهي منظومة أبي عبد الله محمد بن يوسف الخراساني في مخارج الحروف والصفات.
إضافة إلى ما تقدم فإن كتاب «جامع القراءات» لم يسبق له أن حقق من قبل مع أهميته البالغة، وثمة أسباب أخرى ذكرتها في قيمة هذا الكتاب العلمية، ومكانته بين كتب القراءات (۱) فهو كتاب قيم احتوى على مسائل مهمة، ومصادر مفيدة في علم القراءات، فكان حرياً بالدراسة والتحقيق.