لما كنت مشتغلا بتقييد ثبت للشيخ الفقيه الولي محمد ابن الكبير وقع نظري على مخطوط : شرح الشيخ أبي عبد الله التواتي على مختصر الأخضري الكبير، فظننت أنه شرح على المختصر الشهير في العبادات للشيخ عبد الرحمن الأخضري، لكن قراءة مقدمة المتن ومواضع من نصوصه التي أوردها الشارح الشيخ التواتي صيَّرت الظَّنَّ يقينا أن المتن الفقهي ليس متن الشيخ عبد الرحمن الأخضري الشهير، بل هو متن لوالدِهِ الشَّيخ الصغير بن محمد بن عامر الأخضري، وقد قيد ذلك في اخر مختصره فقال رحمه الله: ( يقول العبد الفقير إلى الله تعالى الصُّغَيَّر بن عامر الأخضري: قد انتهى ما قصدنا اختصاره من بعض فروض الأعيان، انتهى من تأليفه آخر شهر رمضان المعظَّم عام 938هـ.
وقد عزمت على تحقيق ونشر هذا المختصر الفقهي النفيس وذلك باستخراج وجمع نصوصه من نسخ شرح الشيخ أبي عبد الله التواتي، وعلى الرغم من أني أيقنت أنَّ الشارح قد قيد نصوص المتن كاملة غير منقوصة، إلا أني رأيت أن استخراج وجمع هذا المختصر من شرحه - الوحيد - أمر محفوف بالمخاطر، ذلك أن الأمر يتعلق بمختصر فقهي يجب الوقوف على نسخة منه، وَمَنَّ الله عزَّ وجلَّ بالوقوف على نسخة من متن مختصر الشيخ الصغير الأخضري ضمن مجموع تحتفظ به دار الكتب الوطنية التونسية.
وعلى الرغم من البحث والسُّؤال فإني لم أظفر بنسخة ثانية من متن هذا المختصر، فعزمت على تحقيقه اعتمادًا على نسخة المتن - الوحيدة - المذكورة سابقًا، ومقارنة نصوصها بنصوص نسخ متن المختصر التي أوردها كاملة الشَّارح الشَّيخ أبو عبد الله التَّواتي رحمه الله.
واللاَّفِت للنظر أنَّ ترجمة الشَّيخ الصُّغَيرَّ الأخضري وتأليفَه سكتت عنها كتب التراجم والتاريخ والفهارس، فلا نعلم سنة ميلاده ولا سنة وفاته، ولم ترد له ترجمة تفصيلية في كتب التَّراجم أو التَّاريخ، ومنظومته في البدع والضَّلالات لا نعلم عنها شيئًا سوى ذكره ولدُهُ عنها - وسيأتي ذكرها لاحقًا-، وأمَّا تعليقاته على مواضع من ألفية ابن مالك فقد ذكرها بعض الأعلام الذين اشتغلوا بالألفية، وأما مختصره الفقهي فلم يرد له ذكر في مصادر ومراجع تراجم ومصنفات المالكية.
إنَّ مختصر الشَّيخ الصُّغَيَّر الأخضري مجهول لدى جلّ المشتغلين بالفقه المالكي، على الرغم من وجود شرح له وإن كان مخطوطا، ولعل شهرة مختصر ولده العلامة عبد الرحمن بن الصغير الأخضري كانت حجابًا لمختصر والده، وقد اعتنى به فقهاء المالكية شرحًا وتدريسًا إلى يومنا هذا.
قيَّدت ترجمة للمصنَّف الشَّيخ الصُّغَيَّر الأخضري، ثمَّ قيَّدت توطئةً أجبت فيهما على جلِّ الإشكالات السَّابقة حول ترجمة المصنِّف وتآليفه وبالأخصِّ مختصره الفقهي، ثمِّ أوردت المختصر الفقهي وقيِّدت تعليقات على مواضع كثيرة منه، ولمزيد الإفادة أوردت في آخر الكتاب المختصر وحده دون تعليقات.
