وبعد: فإن القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع، وهو المنبع الذي تستقى منه أصول الشريعة وقواعدها، وإن الناظر في كتب أصول الفقه يجد أن الأصوليين قد اعتنوا بالاستدلال بالقرآن الكريم في كثير من المسائل الأصولية، وقد استنبطوا من بعض الآيات عدداً كبيراً من الدلائل الأصولية، وكان من جملة تلك الآيات قول الله تعالى: ﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ﴾ فعنايتهم في الاستدلال بهذه الآية ظاهرة؛ فقد استوقفني تعدد المواضع وكثرة المسائل التي استدلوا فيها بالآية، فنجد استدلالهم بها في بعض مسائل المقدمات والتكليف، وفي بعض المسائل المتعلقة بالأدلة الشرعية، وكذلك في مسائل متعلقة بالاجتهاد والفتوى والتقليد، وقد بلغت تلك المسائل اثنتان وثلاثون مسألة، ولذا رأيت أن أجمع تلك الاستدلالات، وأدرسها؛ ذاكراً من استدل بهذه الآية من الأصوليين، ومبيناً أوجه استدلالهم بها، والموقف منه؛ ببيان ما أورد عليه من مناقشات واعتراضات مع بيان صحة الاستدلال بالآية ووجاهته في كل مسألة من عدمه.