فقد كثرت الرسائل والأبحاث العلمية فيما سُمي بـ(علم تخريج الفروع على الأصول)، وقصد بها ربط، أو رد الفروع إلى الأصول، وسواء كانت تلك الفروع من نصوص إمام معين أو لا، وعلى أصول إمام معين أو لا، ولا ريب أن في هذا الصنيع توسعا لمصطلح التخريج الفقهي، وقد ذكرت في كتابي (الجامع البهيج في مفردات التخريج ، وفي كتابي (التخريج الفقهي العصري)، وبحثي (فوح الأريج في تحقيق مصطلح التخريج) أن هذا التوسع فيه نظر، وخروج عن حقيقة المصطلح عند المتقدمين، وأن الأصوب في نظري في تعريفه أن يقال : استنباط مجتهد المذهب أحكام الوقائع التي لم ينص عليها إمامه بواسطة أصول إمامه).
ثم إنني لما رأيتُ أنَّ الأمر سائر بما لا أراه صوابا، كنت أعرض على طلابي رد الفروع الواردة في المتون العلميَّة إلى أصول مذاهبها، لكنني وجدت إجابة ضعيفة، وعرفًا أكاديميًا لا يتوافق مع المنهجية المناسبة لخدمة المتون، ولذا عزمت على الكتابة في هذا الموضوع، واخترت متن الدرر البهية للإمام محمَّد بن علي الشوكاني لمشروعي هذا، وأسميته بـ التعليقات الأصولية على الدرر البهية للشوكاني ، قاصدًا عددًا من الأهداف، أوجزها في لآتي:
أولا : خدمة الفقه عمومًا ، ومتن الدرر على وجه الخصوص، وقد اخترته لأنه مبني على الدليل، وقد ذكر مؤلّفه في مقدّمة الشرح الذي كتبه عليه، وهو الدراري المضيَّة، فقال: و((بعد، فإنّي لمَّا جمعت المختصر الذي سميته (الدرر البهية في المسائل الفقهية)، قاصدًا بذلك جمع المسائل التي صح دليلها، واتضح سبيلها ، تاركًا لما كان منها مِنْ مَحْض الرأي، فإنَّه قالها وقيلها، فنسبة هذا المختصر إلى المطوّلات من الكتب الفقهية نسبة السبيكة الذهبية إلى التربة المعدنية، كما يعرف ذلك مَنْ رسخ في العلوم قدمه، وسبح في بحار المعارف ذهنه ولسانه وقلمه)).
ثانيًا: عدم وجود كتاب يربط فروع متن من المتون بأصولها، فلعله يكون فاتحة بابٍ لمِثْل هذه التآليف.
ثالثًا: إعانة الفقيه والمتفقه على معرفة مآخذ الأحكام، والأصولي على التدرب على تطبيقها على الأدلة بأمثلة واقعية، مستنبطة من الكتاب والسنة.
*ولأجل تحقيق تلك الأهداف فقد اتَّخَذْتُ منهجًا مختصرًا لتحقيقها، وذلك على النحو الآتي:*
*(1) النظر في أدلة المسائل من خلال ما يسوقه الشارح (الشوكاني) في شرحه الدراري المضية.*
*(2) الاكتفاء بالحكم الوارد في المتن (الدرر البهية)، دون ما يذكره الشارح من أقوال أخرى لذات المسألة.*
*(3) إن ذَكَر الشارح الأثر الحقيقي، فإني أكتفيت به، مع بيانه وتوضيحه إن احتاج لذلك.*