هذا هو الجزء الثاني من السلسلة التي يصدرها محمد توفيق، وينشرها مركز نماء.. بعنوان(النقد الذاتي عند الإسلاميين)
وقضية النقد الذاتي والمراجعة لمسيرة العمل الإسلامي قضية ذات أولوية كبرى خاصة في هذه المرحلة المليئة بالتحديات والفتن، والتي تحتاج إلى تطوير حالة العمل الإسلامي لتجاوز الأخطاء والسلوكيات الكارثية التي تكررت سنوات طويلة.
تأتي هذه الدراسة، ليستعرض المؤلف من خلالها المؤلف نماذج «النقد الذاتي» عند تيار الإخوان المسلمين، ويحاول من خلالها قراءة أبعاد هذه الظاهرة ومستوياتها وأنماطها، ويسعى ببيانها لتوليد أسئلة ما بعد النقد الذاتي، خاصة في مرحلة المحنة التي يمر بها التيار، والدراسة بمثابة المكمل لتلك السابقة حول التيارات الجهادية والتي صدرت في الجزء الأول.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول؛ الأول وهو الأكبر والأهم في الكتاب والذي استعرض فيه الباحث نماذج من النقد الموجه لجماعة الإخوان المسلمين من قبل المنتمين للجماعة تنظيمياً أو فكريا، والذي شغل نصف صفحات الكتاب، وجعل الفصل الثاني لطرح فرضيته بأن جماعة الإخوان تسير نحو تقلص وأفول التنظيم المركزي وتوسع وتمدد دائرة الفكر والنظرية الإخوانية، وكان ناقش في الفصل الثالث والأخير بعض الأسئلة والفرضيات لمرحلة ما بعد جماعة الإخوان التقليدية.
في ختام كتابه يقول المؤلف إنه في هذا الكتاب يرد الجميل للجماعة وقادتها وأفرادها الذين تربى بينهم وحرصا على مصلحة الدين والدعوة والعمل الإسلامي من خلال النصح الصادق والمكاشفة الأمينة.
قصر المؤلف دراسته على جماعة الإخوان المسلمين دون سواها من الجماعات باعتبارها نموذجا ممثلا ومعبرا بشكل كبير، وأيضا اقتصر تحديداً على الفرع المصري منها بسبب كونها الأصل والأقدم وتنوع المحطات التي مرت بها.
يستهل الباحث سرد شهادات رموز وأفراد من التيار الاخواني بملاحظة ضعف مساحة وحضور النقد الذاتي عند الإخوان برغم ضخامة حجمها التنظيمي ومسيرتها الداخلية، وهي قضية سلبية، وقد ظهر هذا في تأخر الجماعة في القيام بنقد ذاتي بعد ما تعرضت له من انقلاب واضطهاد.
جمع المؤلف 10 نماذج نقدية إخوانية متعددة الجنسيات والأماكن والخلفيات والأزمنة لتقدم صورة بانورامية لحقيقة أزمة أو أزمات جماعة الإخوان.
وفي الفصل الثاني يطرح الباحث نظريته بأن الجماعة عليها التخفيف من القيود التنظيمية وتنفتح على عالم الفكر وتصبح حالة فكرية وليست حزبا مصمتا حديديا، ومن أجل ذلك يحلل الباحث تركيبة الجماعة ليصل إلى أن طبيعتها ترفض العمل الثوري وتميل للمهادنة ولا تتصف بالذكاء والوعي لقيادة التغيير في المجتمع، ويدلل على ذلك بسرد تاريخ الجماعة مع الدولة المصرية منذ العهد الملكي وحتى الآن.
ثم ينتقل المؤلف لتفحص التيارات الداخلية في جماعة الإخوان، حيث كانت البداية بخط البنا، ثم ظهور تيار التنظيم الخاص، ثم جاء طرح سيد قطب الذي تحالف مع التنظيم الخاص لاحقا، ولغاية محنة 1965 أصبحت الجماعة فيها 3 تيارات هي: تيار البنا الإصلاحي، ثم تيار التنظيم الخاص الذي تشرب فكر سيد قطب، وهذا التيار انشطر لقسمين، قسم زاوج فكر البنا مع فكر سيد قطب وشكل التنظيم الحديدي الذي سيطر على الجماعة لعقود طويلة وحتى الآن.
وقسم انفصل عن الإخوان تقريبا وبقي وفيا لفكر سيد قطب مثل تيار أحمد عبد المجيد وعبد المجيد الشاذلي.
ويرى الباحث أن الجماعة = التنظيم المركزي في حالة أفول بسبب انحسار فاعليته وتأثيره في الواقع المصري بعد سجن وقتل وهروب قادته وكثير من أفراده وتدمير مؤسساته، وحصول فراغ في القيادة حولت بعض المجموعات نحو التطرف والعمل العسكري في الخارج أو الداخل بشكل مستقل.
وفي الفصل الثالث يطرح الباحث بعض الأسئلة عن المستقبل، ماذا بعد النقد؟ وماذا بعد الأفول؟
حيث يتساءل عن دقة منهجية نقد الجماعات الإسلامية!
وهل تتوفر داخل الإخوان هيئات مؤهلة علميا للنقد الذاتي؟
لماذا لا نتجاوز فكر البنا؟
هل يمكن اعتماد نموذج حماس في غزة على حالة مصر؟
لماذا يعوض الإسلاميون فقد الأدوات للنهوض والتمكين بالاعتماد على الخطابات العاطفية عن نصر الله؟
لماذا لا نعترف بفشل خطابنا الإعلامي؟
هل يمكن أن نفكر بما بعد مرسي وما بعد الجماعة التقليدية؟
هل يمكن تطوير منظور الدولة ليشمل العلمانية والحداثة؟
وهنا ينتهى الكتاب، ويبدأ البحث عن الأسئلة في الواقع، وهل سنشهد استفادة من النقد الذاتي هذه المرة أم سنعيد إنتاج الكوارث والأزمات كل مدة؟