﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾
﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
لم ينزلِ القرآنُ كتابًا لتسجيل تاريخ الأمم السابقة، وإنما هو هداية عامة للبشر، فيه تفصيلُ كلِّ شيءٍ، وفيه هدًى ورحمة، وقصص من أنباء الرسل السابقين، والأقوام الغابرين، ما يَعْتبرُ به الناس، فينظرون إلى حاضرهم وإلى مستقبلهم، على ضوء ماضيهم وماضي غيرهم من الأمم.
وأعرض الناس في أزماننا هذه عن العبرة بالقرآن، وعن التأمل في آيات القرآن، وعن الاتعاظ بما جاء من النذر، صاروا - إلَّا أقلهم - لا يعرفون القرآن إلَّا أن يتغنى به المتغني في المآتم وبعض المجالس، وفي إذاعة الصباح والمساء من الراديو. ثم هُمْ لا يكادون يسْتمعون إليه، إلَّا أن يكون المتغني - ولا أقولُ القارئ حسن الصوت - متلاعبًا بالنَّغمات، عابثًا بأوتار صوته، مغيّرًا من معاني القرآن بما يجهل من أحكام الوقف والأداء، لا يهمه إلا الطرب، ولا يهمهم إلا الطرب. ذلك عندهم معنى ترتيل القرآن.
أمّا العِبرة، وأمّا الموعظة، وأما الفقه فيه والاهتداء بهديه، فذلك آخر ما يفكرون فيه؛ رَأَى هذا أو بعضَه مؤلفو هذا الكتاب، فرأوا أنْ يعالجوا الداء من ناحية من نواحيه: ناحية القصص؛ فوضعوا كتابهم النفيس، رجاء أن يكون له أثر في تربية النشءِ وتهذيبه، وكلُّهم معلِمٌ مُدرِّسٌ. وأرَى أنْ قد كان له أثر جليل، فإنَّ هذه الطبعة هي الطبعة الثالثة.
وقدَّموا بين يدي الكتاب كلمةً أبانوا بها عمَّا إليه قصدوا:
«امتاز قصص القرآن الكريم بسموّ غاياته، وشريف مقاصده، وعلوِّ مراميه: اشتمل على فصولٍ في الأخلاق مما يُهذِّب النفوس، ويجمّل الطباع، وينشر الحكمة والآداب، وطُرُقٍ في التربية والتهذيب شَتَّى، تساقُ أحيانًا مساق الحوار، وطورًا مسلك الحكمة والاعتبار، وتارة مذهب التخويف والإنذار، كما حوى كثيرًا من تاريخ الرسل مع أقوامهم، والشعوب مع حُكامهم، وشرَح أخبار قوم هُدوا، فمكَّن الله لهم في الأرض، وأقوام ضلوا، فساءت حالهم، وخربت ديارهم، ووقع عليهم العذاب والنكال، يضرب بسيرهم المثل، ويدعو الناس إلى العظة والتدبر.