تتصل السلسلةُ العِلميَّة (المحصوليَّات) بقُرَّائها في إصدارها التاسع ؛ لتقدم لطلاب الأصول كتاباً من أَجَلَّ ما صُنّف في بابِهِ، «سهلَ التَّعَقُلِ اللَّبِيبِ النَّابِهِ»، من خوادم كتاب المحصول للفخر الرازي الشهير بابن خطيب الري.
كتابنا: من المصنّفات الأصولية المحرَّرة المهمة، تألقَتْ سطوره: بقوة الشخصية العلمية للمؤلّف، وظهورِ المَلكة الترجيحية، والشجاعة في معارضة المحصول تصحيحاً واستدراكاً، ولم تمنع هيبةُ فخر الدين الرازي ولا جلالته الأصولية المظفّر التبريزي من مُناقشتِهِ ومُباحثتِهِ وبذل النصيحة لقارئ الأصول.
فالتنقيح مختصَرٌ للأصل من غيرِ إخلال، واضح في عبارته بلا إملال، فاق سائر المختصرات بمحاسِنِ الصَّفات، ومن نُبل الاتصاف؛ أَنَّه كما حذَفَ منه أضاف، وحلاه بزينة ولم يَذَرَّهُ عاطل الأعطاف، وميزه عن أصله بالفوائد، وجرَّدَهُ عن المكررات والزوائد، ليتشجَّع المتعلمون على أخذه، والدارسون على حفظه.
أبان أمين الدين عن منهجه فقال: «حذَفتُ زوائده، ورضعتُ فوائدَهُ، فتقرر معانيه، وتحرر مبانيه، وما صادفتُ في مطاويهِ مِنْ قول لا أرتضيه، حققتُ القولَ فيه على ما يقتضيه، من غير تزييف مقاله، إلا إذا خفت وبالاً من إهماله، فهو على التحقيق وإن سُمِّي : تنقيحاً، تضمَّن تهذيباً وتوشيحاً».
أيضاً تميز : بالعدول عن ألفاظ الرّازي المنتقدة إلى ما هو أسلم وأصح منها، وتغيير بعض تقاسيم الأصل وإصلاحها، التدقيق في الأمثلة وفحصها، التنصيص على المسائل الأصولية التي لا ثمرة فيها، وفيه جسارة العبارة فلم يكن متحفظاً بنقاشه المصنف فيما يرى أنَّه مجانبُ للصَّواب، وربما اشتد في النقد، فيقول ولا يُكَنِّي : «كنا على الإعراض عن تتبع مقالاتِهِ طلباً للإيجاز ، ولكن إنَّما أوجب ذلك تبخّحُهُ وإعجاب بعض الطَّلبة به وظاهره التوبيخ والإنكار ، وحقيقته النصح وعدم الاغترار.
من أجل ذلك كانت له المكانة الرفيعة عند الأصوليين والعلماء المحققين، واشتهرت تنبيهاته وتحريراته اشتهارَ الشَّمس، وصار معتمد شراح المحصول وفروعه، فتجد الاستشهادَ بهِ في أَمَّاتِ الكُتبِ حاضراً؛ كـ «النفائس» للشهاب القرافي، و«الكاشف للأصبهاني، و النّهاية لقاضي العسكر الأرموي، و شرح المنهاج للإسنوي، وغيرهم.
وقد أحسن الدكتور الفاضل حمزة زُهَير حافظ» في انتقائه هذا المخطوط المتميز، واجتهد في تحقيقه والعناية به؛ كونه نسخة فريدة، ونال به شهادة الدكتوراه بـ ( جامعة أم القرى)، شكر الله تعالى جهده وجزاه خيراً ونفع به المسلمين.