هذا الكتاب يحث فيه الأمير عبدالقادر الجزائري على البحث والتفكير وعدم التقليد، منبهاً على فضل العلم والعلماء، مقرراً أن العقل هو سبب إدراك العلوم، وتميز العقل عن المدركات الأخرى، وأن العلم الذي يقود إليه العقل منه ما هو مذموم وما هو ممدوح، وأن العقل مهما ترقى، فهناك أمور فوق إدراكه لابد له فيها من الأنبياء لبيانها، فعمل على إثبات النبوة وما يتعلق بها، وأن تثبيت العلوم بالكتابة ساعد على تنميتها لأن عقل الإنسان غير قادر على الإحاطة بجميع الأمور.
وكيف فضلت الأمم الكاتبة على غيرها، وظهور العرب من بينهم ووصفهم بكثرة التصنيف الذي يحتاج إليه الناس. نبذة عن المؤلف: هو الأمير السيد عبدالقادر بن محيي الدين بن مصطفى الحسني الجزائري، ولد في شهر رجب سنة 1222هـ في القيطنة في إيالة وهران من الجزائر، وبعد حفظ القرآن في سن التمييز وتلقي بعض العلوم سار إلى وهران لاستكمال طلب العلم وهو ابن 14 سنة، وفي سنة 1241هـ سافر مع والده إلى الحج ثم إلى دمشق فبغداد وأخذا الإجازة بالطريقة القادرية،
وعادا بالطريقة نفسها مع الحج مرة أخرى في عام 1243ه، وفي سنة 1248هـ بايعه أهل الجزائر، وولوه أمر القيام بالجهاد فقام به خير قيام لمدة تزيد على خمسة عشر عاماً، ولما اشتدت الأمور عليه اختار المنفى، وبعد خمس سنوات قضاها في فرنسا، ذهب إلى الأستانة،
فأكرمه السلطان وأسكنه بروسه ثم تحول منها إلى دمشق في 1271ه، وزار باريس والقدس والخليل وحمص ومصر، وأقبل على العلم وكانت له مواقف مشهودة تدل على شجاعته وحسن تدبيره، نال عليها الكثير من الأوسمة والتكريم، وفي منتصف ليلة السبت التاسع عشر من شهر رجب الفرد سنة 1300 هـ انتقل إلى جوار ربه في بيته قرب دمشق وصلي عليه في الجامع الأموي في جنازة مهيبة.
* منهج المؤلف
يقول الأمير: «إنه بلغني أن علماء بريز وفقهم العليم الحكيم العزيز كتبوا اسمي في دفتر العلماء، ونظموني في سلك العظماء، فاهتززت لذلك فرحاً، ثم اغتممت ترحاً، فرحت من حيث ستر الله علي، حتى نظر عباده بحسن الظن إلي، واهتممت من كون العلماء استسمنوا ذا ورم، ونفخوا في غير ضرم،
ثم أشار إلى بعض المحبين منهم، بإرسال بعض الرسائل إليهم، فكتبت هذه العجالة للتشبه بالعلماء الأعلام، ورميت بعض الرسائل إليهم، فكتبت هذه العجالة للتشبه بالعلماء الأعلام، ورميت سهمي بين السهام: فتشبهوا إن لم تكونوا منهم إن التشبه بالكرام رباح وسميت هذه الرسالة (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل)، ورتبتها على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، وفي كل باب فصل وتنبيه وخاتمة.
أما المقدمة ففي الحث على النظر وذم التقليد، ومن درره فيها: «اعلموا أنه يلزم العاقل أن ينظر في القول ولا ينظر إلى قائله، فإن كان القول حقاً قبله سواء كان قائله معروفاً بالحق أو الباطل.. فالعاقل يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، والكلمة من الحكمة ضالة العاقل يأخذها من عند كل من وجدها سواء كان حقيراً أو جليلاً..
والمتبوعون من الناس على قسمين، قسم علم مسعد لنفسه ومسعد لغيره وهو الذي عرف الحق بالدليل لا بالتقليد ودعا الناس إلى معرفة الحق بالدليل لا بأن يقلدوه، وقسم مهلك لنفسه ومهلك لغيره، وهو الذي قلد آباءه وأجداده فيما يعتقدون ويستحسنون وترك النظر بعقله ودعا الناس لتقليده، والأعمى لا يصلح أن يقود العميان.. وإن بهيمة تقاد أفضل من مقلد ينقاد».
وأما الباب الأول ففي فضل العلم والعلماء، وفيه فصل في تعريف العقل الذي به إدراك العلوم، وتكملة في القوى الأربع التي إذا اعتدلت في الإنسان يكون إنساناً كاملاً. وتنبيه في فضل إدراك العقل على إدراك الحواس وفضل مدركات العقل على مدركات الحواس. وخاتمة في انقسام العلم إلى محمود ومذموم. وقوة العقل هي إحدى القوى الأربع التي إذا اعتدلت في الإنسان يكون إنساناً كاملاً، وهي إلى جانب تلك الشجاعة والعفة والعدل.
ومن كلامه فيه أن الإنسان يشارك الجمادات والحيوانات في أمور ويفارقها في أمور هي خاصيته وبها شرفه، فما حصل له الشرف بعظم شخصه فإن الفيل أعظم منه، ولا بشجاعته فإن الأسد أشجع منه، ولا لأكله فإن أوسع منه بطناً.. وإنما شرف الإنسان وخاصيته التي يتميز بها عن جميع الموجودات هي العلم وبها كماله.
إذ كمال كل شيء إنما يكون بظهور خاصيته التي امتاز بها.. ولما كان كذلك كان كل إنسان محباً للعلم بالطبع ويشتهيه ويفرح إذا نسب إليه والعكس ولذته فيه لا تزول لأنها روحية بخلاف غيرها من اللذات وعدم الشعور بها ناتج عن فساد الأمزجة واتباع الشهوات.. والعلوم تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم، فالعلم المحمود ما يرتبط به مصالح الدين والدنيا، وأما المذموم فيذم بعض العلوم لكونه مؤدياً إلى ضرر إما بصاحبه أو غيره.
وأما الباب الثاني ففي العلم الشرعي، وفيه فصل في إثبات النبوة التي هي منبع العلوم الشرعية، وفيه تنبيه في معرفة النبي وما يتعلق بالنبوة. وخاتمة في المكذبين للأنبياء.والعلم مهما ترقى فهناك علوم لا يدركها ولا يطلع عليها إلا بتصديق الأنبياء وأتباعهم والانقياد إليهم، ودليل إمكان ووجود النبوة وجود معارف في العالم لا يمكن أن تدرك بالعقل يظهر ذلك خصوصاً في علمي الطب والفلك.
وأما الباب الثالث ففي فضل الكتابة. ومن أقواله في أهمية الكتابة أنه حصلت في الكتابة منفعة عظيمة، وهو أن عقل الإنسان الواحد لا يقدر على استنباط العلوم الكثيرة، فصار الإنسان إذا استنبط مقداراً من العلم أثبته بالكتابة، فإذا جاء إنسان آخر ووقف عليه قدر على استنباط شيء آخر زائد على ذلك الأول فظهر أن العلوم إنما كثرت بإعانة الكتابة وفيه فصل في الكلام على كتابات الأمم ومن وضعها وما ينجز إلى ذلك.
وتنبيه في بيان حروف الكتابة العربية. وخاتمة في احتياج الناس إلى التصنيف وما يتعلق به. وشدد على أن يكون التصنيف مسوقاً على حسب إدراك أهل الزمن وعلى قدر ما تصل إليه عقولهم، فإذا كانت الخواطر ثاقبة قام الاختصار لها مقام الإكثار واستغنت بالتلويح عن التصريح، وألا تكن الخواطر كذلك فلابد لها من زيادة الكشف والبيان.
وأن الناس انقسموا بحسب العلوم والمعارف واختلاف المذاهب، فمنهم من اعتنى بالعلوم فظهرت منهم أنواع المعارف، فهم صفوة الله من خلقه، وقسم لم يعتن بالعلوم عناية يستحق بها اسمه، فالأول أمم، منهم الهند والفرس واليونان والروم والإفرنج والعرب والعبرانيون وأهل مصر، والثاني بقية الأمم. طبع الكتاب عام 1854م ـ 1271م.