فإن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تبارك وتعالى أن يعرف نعمة الله عليه، ويعلم أنها منه وأن الله هو وحده المستحق لشكر هذه النعمة، ومن هذه النعم نعمة البركة، وهي موضوع هذا الكتاب.
وبهذه المعرفة لنعمة البركة وشكر الله عليها يتحصل العبد على أفضل العطايا وأجل المواهب، ولذلك رسول الله ﷺ أعرف الناس بنعمة الله وأشكر الناس عليها، فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قد رأيتني مع النبي ﷺ وقد حضرت العصر، وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتي النبي ﷺ به، فأدخل يده فيه وفرج أصابعه، ثم قال: (حي على أهل الوضوء، البركة من الله) فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فعلمت أنه بركة.
قيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وأربع مائة. فقوله ﷺ: (البركة من الله) هو كمال المعرفة لهذه النعمة وكمال شكرها.
ولأجل أهمية هذه المعرفة في ضوء الكتاب والسنة يجمع مما ظهر لي من كتاب الله الآيات التي تحمل لفظ البركة بصيغها المختلفة فكانت أثنين وعشرين وثلاثين آية، وجمعت مما ظهر لي من سنة رسول الله ﷺ في كتابي الصحيحين البخاري ومسلم الأحاديث التي تحمل لفظ البركة بصيغها المختلفة فسبع وسبعون حديثا من غير المكرر.
وهذا ما يدل على أن موضوع البركة في ضوء الكتاب والسنة هو موضوع مهم يحمل قيمة علمية عالية ينبغي دراستها دراسة تحليلية: وهذا هو ما سوف يستعين بالله الباحث في دراسة موضوع البركة دراسة تحليلية لاستنباط: المعنى اختيار البركة في ضوء الكتاب والسنة، والتعريف بأنواع البركة التي ورد فيها لفظ البركة، تعريف وأسباب البركة التي ورد فيها لفظ البركة، تعريف بما هي الأمور والأشياء التي ورد لفظ البركة في الكتاب والسنة وذكر فضائلها في الكتاب والسنة الدالة على بركتها.
