قال في مقدّمته للكتاب :
"وَمَعَ قِلَّةِ الْبِضَاعَةِ، وَضَعْفِ الصِّنَاعَةِ، فَقَدِ ارْتَقَيْتُ مُرْتَقًى صَعْبًا؛ حِيْنَمَا اخْتَرْتُ مَجَالَ التَّحْقِيقِ، وَخُضْتُ مَسَالِكَ التَّدْقِيقِ وَالتَّعْلِيقِ، فَقَدْ كُنْتُ أَظُنُّ بَادِئَ الْأَمْرِ أَنَّ مَجَالَ التَّحْقِيقِ سَهْلٌ؛ فَلَّمَا خُضْتُ غِمَارَهُ، وَسَبَرْتُ أَغْوَارَهُ، عَلِمْتُ يَقِينًا أَنِّي لِذَلِكَ غَيْرُ أَهْلٍ؛ لِعِظَمِ الْأَمَانَةِ وَالْمَسْؤُلِيَّةِ فِيهِ، وَتَرَتُّبِ الْوِزْرِ وَالْأَجْرِ عَلَيهِ؛ وَلَكِنْ كَمَا قِيلَ لَايُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، فَكَانَ قَدَرِي مَعَ الْأَزْهَرِيِّ فِي شَرْحِهِ لِمُقَدِّمَتِهِ النَّحْوِيَّةِ الْمَوْسُومَةِ بِالْمُقَدِّمَةِ الْأَزْهَرِيَّةِ.
وَكَانَتْ أَوَّلَ نُسْخَةٍ خَطِيَّةٍ أَجِدُهَا لِهَذَا الشَّرْحِ النَّحْوِيِّ نُسْخَةٌ مَغْرِبِيَّةٌ؛ عَثَرْتُ عَلَيْهَا تَوَافُقًا وَأَنَا أَنْظُرُ فِي مَخْطُوطَاتِ خِزَانَةِ مَسْجِدِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ بَادِيسَ بِمَدِينَةِ شَلْغُومَ الْعِيدِ، فَدَارَ فِي خَلَدِي أَنْ أَعْتَنِيَ بهَذَا الْكِتَابَ؛ فَاسْتَعَنْتُ بِاللهِ تَعَالى وَأَخَذْتُ أُقَلِّبُ صَفَحَاتِ الْمَخْطُوطِ، وَأُطِيلُ النَّظَرَ فِيهِ؛ فَإِذَا هُوَ شَرْحُ قَيِّمٌ حَقِيقٌ بِأَنْ يَخْرُجَ إِلَى النُّورِ وَاضِحَ النَّصِّ جَمِيلَ الْصُّورَةِ، وَقَمِنٌ بِأَنْ يُعْتَنَى بِهِ تَحْقِيقًا لِمُرَادِ مُؤَلِّفِهِ فِي إِفَادَةِ طُلَّابِ الْعَرِبِيَّةِ؛ فَأَخَذْتُ أَبْحَثُ فِي مَخْطُوطَاتِ الْخَزَائِنِ وَالْمَكْتَبَاتِ شَرْقًا وَغَرْبًا لِأَظْفَرَ بِنُسَخٍ أُخْرَى لِلشَّرْحِ فَتَحَصَّلَ لَدَيَّ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالتَّحَرِّي عَشْرُ نُسَخٍ خَطِّيَّةِ جَمَعْتُهَا مِنْ مَكْتَبَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَعَزَمْتُ أَنْ أُقَابِلَ هَذِهِ النُّسَخَ جَمِيعًا بَعْضَهَا بِبِعْضٍ لِأَصِلَ إِلَى عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَوْقَرِيبًا مِنْهَا."