فمِمَّا لا شك فيه أن أشرَف ما تتَّجِه إليه الهممُ العالية هو طلبُ العلم، والبحثُ فيه؛ إذ هو طريقٌ من الطرق الموصلة للجنَّة؛ فعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سَلك طريقًا يطلب فيه عِلمًا، سَلك اللهُ به طريقًا من طرق الجنة))، "والمرادُ بالعلم العلم الشرعي الذي يفيدُ معرفةَ ما يجب على المكلَّف من أمر دينِه في عباداتِه ومعاملاتِه، والعِلم بالله وصفاتِه، وما يجب له من القيام بأمره، وتنزيهِه عن النقائص"
وأفضَل العلومِ الشَّرعية ما تعلَّق بالعقيدةِ الإسلاميَّة، فكلُّ علم يشرُف بمعلومِه؛ لأن شرف العلم تابعٌ لشرف معلومِه، ومن هنا شرُفَ علمُ العقيدةِ على غيره من العلوم، وتقدَّم على ما سواه من الفنون؛ لتعلُّقه بأشرف مَعلوم، وأجلِّ موجودٍ، ألاَ وهو ربُّ الوجود، وخالقُ الكون والمعبود.
ومن الأمور العظمية والجليلة الواضِحة في السيرة المحمَّدية: الغزواتُ النبوية؛ فقد ذكرها القرآنُ الكريم في كثيرٍ من سورِه، فذُكرَت في سور آل عمران، والنساء، والأنفال والتوبة، والأحزاب، والفتح، والمنافقون، وغيرها من السور.
وفي هذا دلالة على أهميَّة دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مغازِيه، واستشعارًا لهذه الأهمية كان صحابتُه رضوان الله عليهم يُعلِّمون أبناءَهم مغازيَه صلى الله عليه وسلم كما يعلمونهم السورةَ من القرآن.
قال إسماعيلُ بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رحمه الله: "كان أبي يعلِّمنا مغازيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعدها علينا، وسراياه، ويقول: يا بني، هذه مآثِرُ آبائكم فلا تضيعوا ذِكرَها".
وقال زين العابدين رحمه الله: "كنا نُعلَّم مغازي النبي وسراياه كما نعلَّم السورة من القرآن".