هل جربت يوماً أن تحتسي كأساً من النفط !!؟
ربما لو ثابرت على شربه مرة في اليوم أو مرتين سيصبح طعمه مألوفاً
الشاي الذي يحتسيه أبو محمد وأبو وائل وأبو حسن وأبو وليد كل يوم في جلستهم في الظهيرو باتوا يسمونه نفطاً لشدة سواده
ولارتباطه غالبا بأحاديثهم عن واقعهم المرير وقصصهم المليئة بالخيبة والسواد .. كالنفط تماماً
يلتقي رفاق المهنة كل يوم في استراحة قصيرة لاحتساء الشاي وقد انضم لهم لاحقاً عباس الوافد الجديد الذي رمته الأقدار ليكون شاهداً على الفساد الذي يمارسه (الحرامي الكبير) في هذا البلد المليئ بالحرامية الذين يأتون في مرتبة تالية عن الحرامي الكبير
يعتقد عباس للوهلة الأولى أن صور (الحرامي الكبير) معلقة في الشوارع ليتم التعرف إليه والإبلاغ عنه وتسليمه للعدالة ..
يوماً بعد يوم يجد عباس نفسه منخرطاً في قضايا هؤلاء الناس البسطاء ومنخرطاٌ في (الثورة) التي تهدف للإطاحة بالحرامي الكبير ، الذي يسرق أموالهم وأبناءهم وأنفاسهم حتى ..
تتوالى الأحداث وتدخل البلاد في صراع مرير ويتسبب الحرامي الكبير في القتل والتعذيب والتنكيل ، وتجري دماء الناس البسطاء أنهاراً ..
قتل هنا وتعذيب هناك وقصف في مكان آخر
القتل يحاصر الناس في كل مكان .. في الشوارع وفي بيوتهم وفي الأماكن العامة وفي السجون خلف القضبان
الوحشية في أقسى صورها وآلة التعذيب والتدمير تتسبب في شتى أنواع الكوارث والمصائب
عباس نفسه يقول (لقد شاهدت العديد من الأفلام في حياتي التي ارتكبت فيها جرائم بشعة بيد مجرم بارد الدماء .. لكن مهما تطورت صنعة الأفلام .. فإن خيالها لن يطال الواقع أبداً )
(كأس من النفط) رواية كُتبت على وقع قصص ومآس هزت العالم ونثرت الرعب في كل أرجائه
تنجح الكاتبة في أن تجعلك تدخل عمق المأساة وتعيش تفاصيلها كأنك كنت هناك .. لا بل كأنك كنت أحد أبطالها بالفعل
ستشعر وأنت تقرؤها أنك تتجرع كأس النفط مع أبي محمد وأبي حسن وعباس والباقين في الساحة هناك .. وتصغي إلى أحاديثهم عن الثورة والأبناء وعن السجون وعن اللصوص سارقي الأوطان ...
أخرج من الموضأ وأقف أمام باب المسجد.. أتنفس الهواء.. هل كان النسيم صافيا عذبا لأنه نسيم الفجر .. أم لأنني حر؟
لست أدري..!
عدت للداخل .. قدماي الحافيتان جففهما سجاد الجامع.. تقدمت نحو المؤذن وألقيت السلام السلام عليكم..
رد بعينين مستغربتين قليلا وعليكم السلام ورحمة الله.
جلست تحت الرفوف.. تناولت مصحفا...
كم مضى منذ المرة الأخيرة التي أمسكت فيها مصحفا؟
لست أدري !
فتحته وبدأت عيناي تتابعان السطور .. لم أكمل كثيرا .. دموع مفاجئة بدأت تملأ عيني.. شعور عميق بالامتنان لله الذي أخرجني من حيث ظننت أنني لن أخرج قط..
شعور عميق بالرضا...
مسحت عيني سريعا كي لا يراني المؤذن.. تابعت القراءة. شيئا فشيئا تجمع الناس.. اصطفوا حين أقيمت
الصلاة.. ووقفت بينهم.. استمعت معهم للقرآن.. ركعت معهم... وحين سجدت.. شعرت بأنني عزيز.. شعرت بالكرامة..
وأن أولئك الذين قهروني.. لن يستطيعوا أن يعيدوني لما كنت عليه...
حتى لو أمسكوني.. ولم أستطع الهرب.. فسأقاوم إلى أن أخلص أو أموت...
لن أعود الرقم ۸۱۲۱